أحمد في مسنده [٣/ ١٨٨] من طريق حميد الطويل عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى أبا عمير وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزينًا فقال: "ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟ " فقالوا: مات نُغَرُهُ الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: "أبا عمير ما فعل النغير؟ " وأخرجه في مسنده [٣/ ١٩٠] من طريق موسى بن سعيد عن أبي التياح عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم ولها ابن صغير يقال إله أبو عمير وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " قال: نغر يلعب به. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم أحيانًا ويتحدث عندها فتدركه الصلاة فيصلي على بساط وهو حصير ينضحه بالماء.
وقوله (وكان لي أخ) وحكى علي القاري في جمع الوسائل [٢/ ٢١] عن جامع الأصول: أن اسمه كبشة وهو أخو أنس لأمه فإن أمه أم سليم وأباه أبو طلحة الأنصاري، وذكر العيني في العمدة [١٠/ ٤١٢] أنه كان قد مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد ذلك صريحًا في رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس بزيادة أنه كان الولد الذي مات فلم تخبر أم سليم زوجها بموته في الليلة حتى جامعها كما مر قريبًا في أوائل هذا الباب.
قوله (يقال له أبو عمير) هذا صريح في أن الصبي كان مشتهرًا بهذه الكنية ففيه رد لمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه به في هذا القول وأن عميرًا تصغير للعمر فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه لا يعمر إلا قليلًا وقد سبق رد هذا القول.
واستدلت الحنفية بهذا الحديث على جواز صيد المدينة وهو قول خالفوا فيه الجمهور ونص نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المدينة كما نهى عن صيد مكة كما قدمناه ولا حجة فيه إذ ليس فيه ما يدل على أن ذلك الطير صيد في حرم المدينة بل نقول إنه صيد في الحل وأدخل في الحرم ويجوز للحلال أن يصيد في الحل ويدخله في الحرم ولا يجوز له أن يصيد في الحرم، فيفرق بين ابتداء صيد وبين استصحاب إمساكه كما مر في الحج، وفيه جواز لعب الصبي بالطير الصغير لكن الذي أجاز العلماء من ذلك أن يمسك له وأن يلهو بحسنه وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة، وفيه ما يدل على جواز المزاح مع