للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السوق فلا يمر على بياع ولا على أحد إلا سلم عليه فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا. لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهره أنه في من خرج لقصد تحصيل ثواب السلام اهـ.

قال القرطبي: قوله (يسلم الراكب على الماشي) .. الخ قد تقدم الأمر بالسلام وبإفشائه في كتاب الإيمان ولا خلاف بين العلماء في أن الابتداء بالسلام سنة لأنه إكرام للمسلم عليه وتحية له وأن الرد واجب لأنه مجازاة ومكافأة للمسلم على إكرامه للمسلم عليه ثم إن الناس في الابتداء بالسلام إما أن تتساوى أحوالهم أو تتفاوت فإن تساوت فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام كالماشي على الماشي والراكب على الراكب غير أن الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية كأهل العلم والفضل احترامًا لهم وتوقيرًا وأما ذوو المراتب الدنيوية المحضة فإن سلموا يرد عليهم وإن ظهر عليهم إعجاب أو كبر فلا يسلم عليهم لأن ذلك معونة لهم على المعصية وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يبدؤوا، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم لأن ذلك يدل على تواضعهم وإن تفاوتت فالحكم فيه على ما يقتضيه هذا الحديث فيبدأ الراكب بالسلام على الماشي لعلو مرتبته لأن ذلك أبعد له من الزهو، وأما الماشي فقد قيل فيه مثل ذلك وفيه بُعد إذ الماشي لا يزهي بمشيه غالبًا، وقيل هو معلل بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي فإذا بدأ بالسلام أمن من ذلك وهذا أيضًا بعيد إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد فقد يخاف الماشي من القاعد وأشبه من هذا أن يقال إن القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية على الماشي بذلك لأن حاله على العكس من ذلك وأما ابتداء القليل بالسلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم.

وقد زاد البخاري في هذا الحديث (ويسلم الصغير على الكبير) وهذه المعاني التي تكلف العلماء إبرازها هي حكم تناسب المصالح المحسّنة والمكفلة ولا نقول إنها نصبت نصب العلل الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها فنقول إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز وكذلك ابتداء الماشي الراكب بل يجوز ذلك لأنه مظهر للسلام ومفش له كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم من حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>