وقوله (وإذا استغسلتم فاغسلوا) هذا خطاب لمن يتهم بأنه عائن فيجب عليه ذلك ويقضى عليه به إذا طلب منه ذلك لاسيما إذا خيف على المعين الهلاك وهذا الغسل هو الَّذي سماه في بعض طرق حديث سهل بن حنيف بالوضوء وذلك أن عامر بن ربيعة نظر إلى سهل متجردًا فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعامر "علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت، إن العين حق، توضأ له" فتوضأ عامر. رواه أبو داود [٣٨٨٠] وفي الطريق الأخرى زيادة كيفية الغسل قال: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبته وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح فصب عليه. وصفته عند العلماء أن يؤتى من ماء ولا يوضع القدح على الأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى وبشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكف ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم ركبته اليمنى ثم اليسرى على الصفة المذكورة والرتبة المتقدمة ولا يغسل ما بين الكعبين والركبتين وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار وهو الطرف الَّذي يلي حقوه الأيمن وقد ذكر بعضهم أن داخلة الإزار يكنى به عن الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه خلفه من على رأسه هكذا نقل أبو عبد الله المازري وقال هذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، قال القاضي عياض: وبه قال الزهري وأخبر أنَّه أدرك العلماء يصفونه ويستحسنه علماؤنا ومضى به العمل وزاد أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخلة الإزار هو إدخاله وغسله في القدح ثم يقوم الَّذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع جسده يستغفله به وقيل يغسله بذلك ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض.
وقد روي عن ابن شهاب أنَّه بدأ بغسل الوجه قبل المضمضة وأنه لا يغسل القدمين جميعها بل أطرافها من عند أصول أصابعه، وقيل في داخلة الإزار الموضع الَّذي تمسه داخلة الإزار وقيل أراد وركه إذ هو معقد الإزار، وقد روي في حديث سهل أن العائن غسل صدره مع ما ذكره وأنه صلى الله عليه وسلم أمره فحسا من الماء حسوات والمعتمد على ما رواه مالك والله تعالى أعلم.