وساق روح بن عبادة (بنحو حديث خالد) بن الحارث المذكور آنفًا، وتفصيل هذه القصة ما ذكره ابن هشام في سيرته [٤/ ٤٤] رواية عن ابن إسحاق قال: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم ثم سمت الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال:"إن هذه العظم ليخبرني أنَّه مسموم" ثم دعا بها فاعترفت فقال: "ما حملك على ذلك"؟ ؛ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت: إن كان ملكًا استرحت منه وإن كان نبيًّا فيخبر قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل.
قال القرطبي: ففي هذا الحديث فوائد كثيرة أهمها ما أظهر الله تعالى من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم حيث كلمه الجماد ولم يؤثر فيه السم وعلم ما غيب عنه من السم، وفيه أن السموم لا تؤثر بذواتها بل بإذن الله تعالى ومشيئته ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال، وفيه من العظة أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الَّذي يوجب القصاص وهو قول مالك إذا استكرهه على شربه فيقتل بمثل ذلك، وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك وفيه الدية على عاقلته قالوا: ولو دسه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، وقال الشافعي: إذا فعل ذلك به وهو مكره ففيه قولان أحدهما عليه القود وهو أشبهها، والثاني لا قود عليه. وإن وضعه له فأخبره فأخذه الرجل فأكله فلا عقل ولا دية ولا كفارة اهـ من المفهم. قال الأبي: قوله ما كان ليسلطك على ذلك، قال القاضي لقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. [قلت] هذا يعارضه قوله الآخر الآن حين قطعت أبهري فإنه يقتضي أنَّه مات بذلك ولذلك قال العلماء إن الله سبحانه قد جمع له بذلك بين كرم النبوة وفضل الشهادة، ويجاب بأن المعنى ما كان ليسلطك على قتلي الآن لأنه هو الَّذي أرادت ومعنى والله يعصمك من الناس قال القاضي: أي يعصمك من أذى الناس الَّذي يريدونه بك، وفي كفاية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أمر السم المهلك لغيره