للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

"تصدق به على نفسك" الحديث، وقوله (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت".

وحتى في قوله (حتى يحب) غابة لنفي الإيمان، وهي جارة، والفعل بعدها منصوب بأن واجبة الإضمار، ويمتنع رفع الفعل بعدها لاقتضاء ذلك كون يحب منفيًّا كيؤمن أي لا يكون إيمان ومحبة وهو باطل وضد المقصود، وقال بعضهم لا يصح العطف بحتى لأن عدم الإيمان ليس سببًا للمحبة انتهى.

تنبيه: إنما قال في الحديث حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولم يقل (حتى يفعل بأخيه ما يفعل بنفسه) لوجوه: (منها) أن المحبة هي السبب الأقوى في الحمل على الفعل لأن من أحب شيئًا حبًّا صادقًا لا يصده شيء عن فعله، لقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} وقوله:

لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

فكأنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ضابط الفعل والحامل عليه على وجه العموم إلا لعارض.

(ومنها) أن ذكر الفعل لا يغني عن المحبة، لأنه قد يفعل تكرهًا ولامتثال الأمر خاصة، وهو على الوجه الأول قد يوجب أشد البغض، أو يزيد فيه فيؤدي إلى خلاف المقصود بخلاف المحبة فإنها تغني عن الفعل لحصوله معها مع حصول المقصود من الألفة والتواد بين المؤمنين على أكمل وجه.

(ومنها) أن الفعل أشق على النفس من المحبة، فكان التصريح باشتراطه في الإيمان يوجب النفرة عنه، فنبه طبيب الأطباء وحكيم الحكماء صلى الله عليه وسلم على ما يُحصِّل المقصود وتقبله النفوس.

(ومنها) أن الفعل لا يَحْسن أن يُعد ضابطًا، لأنه كثيرًا ما يفعل الإنسان بنفسه أمورًا يكرهها لاسترقاق نفسه له، وأسر شهوته إياه، أو لغير ذلك من الإكراه ونحوه بخلاف المحبة فإنها مطردة منضبطة.

(ومنها) غير ذلك مما لا ينحصر والله سبحانه وتعالى أعلم بأسرار كلامه صلى الله عليه وسلم.

وقد اشتمل الحديث على الإيجاز للتقديرات المذكورة ولاسلتزامه الوفاء بجميع

<<  <  ج: ص:  >  >>