قال القاضي عياض: معنى الحديث أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وكل ذلك تعريف بحق الجار، وحث على حفظه، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار في كتابه العزيز، وقال صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: "إلى أقربهما منك بابا" أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع، وأحمد في المسند.
قال الحافظ في الفتح:"أقربهما" أي أشدهما قربًا، وقيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهدية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجبًا، قال الحافظ: وفي هذا الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل، قال: واختلف في حد الجار فجاء عن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار، وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وعن عائشة رضي الله عنها حد الجار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن، وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا "ألا إن أربعين دارًا جار" وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب "أربعون عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه" قال الحافظ: وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة اهـ فتح ١/ ٤٦٣.
قوله "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" والضيف: القادم على القوم النازل بهم، وبقال: ضيف على الواحد والجمع، وبجمع أيضًا على أضياف وضيوف وضيفان، والمرأة ضيف وضيفة، وأضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته بك ضيفًا، وضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه، وكذلك تَضيَّفْتُهُ، والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الدين، ومن خلق النبيين والصالحين، وليست بواجبة عند عامة أهل العلم خلا الليث فإنه أوجبها ليلة واحدة محتجًا بقوله صلى الله عليه وسلم "ليلة الضيف واجبة على