جزم النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلًا يسرق (قال) الرجل: (كلا) أي لا أي ما سرقت (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (لا إله إلا هو) نفى السرقة عن نفسه ثم أكده باليمين، قال القرطبي: ظاهر قول عيسى لهذا الرجل سرقت أنه خبر عما فعل الرجل من السرقة وكأنه حقق السرقة لأنه رآه قد أخذ مالًا لغيره من حرزه في خفية، ويحتمل أن يكون مستفهمًا له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام وحذفها قليل اهـ (فقال عيسى: آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله (وكذبت نفسي) أي ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه اهـ عيني، ويحتمل أن يكون أخذه ليقلبه فينظر إليه ولم يقصد الغصب والاستيلاء. ويستفاد من هذا الحديث درء الحد بالشبهة اهـ ط، أو ظن عيسى أنه أخذ حين رآه مد يده فلما حلف له أسقط ظنه، قال الأبي: السرقة أخذ المال خفية من حرز وعيسى - عليه السلام - لم يقل ذلك حتى رآه فعل وحين رآه فعل غلب على ظنه الصادق أنه سارق فقال: سرقت، على وجه التفسير لا على إساءة الظن، وقوله:(آمنت بالله وكذبت نفسي) وفي رواية البخاري وكذبت عيني فالأليق أنه سرق حقيقة ولها غلب - عليه السلام - مقام العلم بالله تعالى والتعظيم له قال: آمنت بالله وكذبت نفسي أي وتركت ظني ولا بُعد في أن يترك النبي ظنه، ويحتمل أن الرجل لم يسرق حقيقة وإنما أخذه لوجه من الوجوه التي ذكرت آنفًا ويكون في يمينه بارًا وترك عيسى - عليه السلام - ظنه لتصديقه إياه اهـ من الأبي، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبًا فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ٣١٤]، والبخاري في الأنبياء باب (واذكر في الكتاب مريم) إلخ [٣٤٤٤]، والنسائي في القضاة باب كيف يستحلف الحاكم [٥٤٢٧]، وابن ماجه [٢١٠٢].
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
٥٩٨٥ - (٢٣٤٦)(١٠١)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر)