وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكًا ومن تبعه أوقفوه على أبي هريرة فثبت الحديث في الموطأ من رواية القعنبي وسقط من رواية غيره، وذكر بعضهم العكس أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة كما في مسلم وعاش بعد ذلك مائة وعشرين وعلى كلا التقديرين فعمره مائتا سنة اهـ وفي صحيح ابن حبان أنه - عليه السلام - اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقد تكلف بعض العلماء في الجمع بين الروايتين وأطال في ذلك في الفتح [١١١/ ٨٨ و ٨٩] ولكن لا تخلو وجوه الجمع من التعسف، والأحسن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن حديث الصحيحين المذكور هنا قاض على الرواية الأخرى فإنها لا تقاوم حديث الباب من جهة الإسناد، وقال ابن المهلب: ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين وإنما اختتن إبراهيم في الوقت الذي أوحى الله إليه بذلك وأمره به.
ومراد المهلب رحمه الله أنه ليس من السنة تأخير الختان إلى هذا السن لأن إبراهيم - عليه السلام - إنما فعل ذلك لأنه لم يؤمر به قبله، قال القرطبي: قد تقدم أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وأن ذلك لم تزل سنة عامة معمولًا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين إلى دينه وهو حكم التوراة علي بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى - عليه السلام - غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما جاء في التوراة من ذلك بان المقصود زوال غلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هذا بِأولِ جهالاتهم فكم لهم منها وكم ويكفيك في ذلك أنهم زادوا على أنبياءهم في الفَهْمِ وغلطوهم فيما عملوا عليه وقضوا به من الحُكْمِ اهـ من المفهم.
وأما الوقت المستحب للختان فهو السابع من يوم الولادة إلى ثنتي عشرة سنة وقد ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما اليوم السابع من ولادتهما رواه الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال مكحول: إن إبراهيم - عليه السلام - ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشر سنة ذكره العيني في عمدة القاري [١/ ٥١٤].
ودل حديث الباب على مشروعية الختان حتى لو أخر لمانع إلى أن كبر الرجل لم تسقط مشروعيته إلا أن يكون هناك عذر طبيعي أو شرعي فالشيخ الضعيف إذا أسلم ولا يطيق الختان إن قال أهل الخبرة لا يطيق يترك لأن ترك الواجب بالعذر جائز فترك السنة