للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَال: فَعَتَبَ الله عَلَيهِ إِذْ لَم يَرُد العِلْمَ إِلَيهِ. فَأوْحَى الله إِلَيهِ: أَن عَبدًا مِن عِبَادِي بِمَجمَعِ الْبَحرَينِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ

ــ

٢١٩] قال المازري (فإن قلت): النبي لا يقع منه الكذب وقد أوحى الله سبحانه إليه أن له عبدا هو أعلم منه. (فالجواب): أن قوله أنا أعلم معناه في اعتقادي بما ظهر لي من مقتضى الحال فإن النبوة بالمكان الرفيع والعلم من أرفع المراتب فقد ظهر من هذه الجهة أنه أعلم الناس فهو خبر صدق لأنه عن مقتضى علمه، وقد وقع في طريق آخر قيل له: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فهذا لا يكون عليه به عتب إذ أخبر عما يعلم فالأولى كذلك لأنه في معناه، قال القاضي عياض: وقيل: يعني بقوله أنا أعلم أي بما تقتضيه النبوة وأمور الشريعة وسياسة الأمة، ويدل عليه قول الخضر فيما يأتي "أنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم علمنيه الله لا تعلمه" وإذا كان كذلك فخبره عن ذلك صدق اهـ من الأبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فعتب الله) سبحانه موسى - عليه السلام - ولامه (عليه) أي على قوله: أنا أعلم، والعتاب في حقنا لوم الحبيب حبيبه على ما لا يليق به، وأما العتاب في حق الله سبحانه صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نعطلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، واذ في قوله: (إذ لم يرد العلم إليه) تعالى معللة للعتاب أي وإنما عتبه لعدم رده العلم بالأعلم إليه تعالى لأن رد العلم إليه تعالى هو الأدب، وقال المازري: معنى عتبه لم يرض قوله شرعًا، وقال القاضي عياض: ومعنى عتبه أخذه وعنفه وأصل العتب المؤاخذة، وقال ابن العربي: قول موسى - عليه السلام - صدق لأنه شهد بما علم ولكنه لما كان فيه نوع من الافتخار لشرف منزلته عتبه اهـ من الأبي، قال الأبي: وصورة رد العلم إليه تعالى أن يقول في الجواب الله أعلم أو يقول أنا والله أعلم اهـ (فأوحى الله) سبحانه (إليه) أي إلى موسى - عليه السلام - (أن عبدًا) بفتح الهمزة أي بأن، وفي رواية للبخاري إن بكسر الهمزة على تقدير فقال: إن عبدًا والمراد به الخضر أي أوحي إليه بأن عبدًا (من عبادي بمجمع البحرين) أي بملتقى بحري فارس والروم من جهة المشرق وهذا أقرب ما قيل لأن موسى كان بالشام وقيل: هما بحري الأردن والقلزم (وهو أعلم منك) أي بأحكام مفصلة وحكم نوازل معينة لا مطلقًا بدليل قول الخضر لموسى "إنك على علم علمكه الله لا أعلمه أنا، وأنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت" وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما ولا يعلمه الآخر فلما سمع موسى هذا تشوقت وعشقت نفسه الفاضلة وهمته العالية لتحصيل علم ما لم يعلم واللقاء من قيل فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>