للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنَّكَ عَلَى عِلمٍ مِن عِلْمِ الله عَلمَكَهُ الله لَا أَعلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْم مِن عِلمِ الله عَلمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ. قَال لَهُ مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا

ــ

الخضر لموسى: (إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) أنا؛ وهو علم الظواهر والشرائع (وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) أنت يا موسى وهو علم المغيبات، قال الأبي: قوله تعالى لموسى إن لي عبدًا هو أعلم منك فإذا كان علمهما مختلفًا فكيف يبنى أفعل التفضيل مما لا شركة فيه؟ قلت بأن الخضر كان مكلفًا فكان يعلم بعض الشرائع فشارك موسى بها واختص بكثير من أمور التكوين فصار أعلم منه والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم قص الله سبحانه ما جرى بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال: (قال له) أي لذلك العبد الأعلم (موسى هل أتبعك) هذا كلام مستأنف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فماذا جرى بينهما من الكلام بعد اجتماعهما؟ فقيل: قال له أي للخضر موسى عليهما السلام: (هل أتبعك) أي هل أصحبك، والاستفهام فيه للاستئذان (على) شرط (أن تعلمني) والجار والمجرور في موضع الحال من الكاف أي حال كونك ملتبسًا بتعليمي وهو استئذان منه في اتباعه له على شرط التعليم ويكفيك دليلًا في شرف الاتساع (مما علمت رشدًا) أي على شرط أن تعلمني علمًا ذا رشد وإصابة أرشد به في ديني كائنًا مما علمك الله سبحانه وتعالى، وفي هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب لأنه استأذنه أن يكون تابعًا له على أن يعلمه مما علمه الله تعالى من العلم، قال الإمام: والآية تدل على أن موسى راعى أنواع الأدب حيث جعل نفسه تبعًا له بقوله: (هل أتبعك) واستأذنه في إتيانه هذه التبعية وأقر على نفسه بالجهل ولأستاذه بالعلم في قوله: (على أن تعلمني) ومن في قوله: (مما علمت) للتبعيض أي لا أطلب مساواتك في العلوم وإنما أريد بعضًا من علومك كالفقير يطلب من الغني جزءًا من ماله، وفي قوله: (مما علمت) اعتراف بأنه أخذ العلم من الله، والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب، وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى فقد يأخذ الفاضل من المفضول وقد يأخذ الفاضل من الفاضل إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر فقد كان علم موسى علم الأحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>