للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَال لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيهِ أَجْرًا (٧٧)} [الكهف: ٧٦ - ٧٧]، يَقُولُ مَائِلٌ، قَال الْخَضِرُ بِيَدِهِ هكَذَا، فَأقَامَهُ،

ــ

ولا ترافقني أي لا تجعلني صاحبًا لك ولا تكن مرافقًا معي بل أبعدني عنك وإن سألت صحبتك، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعليم لظهور عذره ولذا قال: {قَدْ بَلَغْتَ} ووجدت {مِنْ لَدُنِّي} أي من قبلي {عُذْرًا} أي سببًا تعتذر به في فراقي وطردي حيث خالفتك مرة بعد أخرى أي قد كنت عندي معذورًا في فراقي، وهذا كلام نادم أشد الندم قد اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف، والعذر بضمتين وسكون الذال في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا أو فعلت فلا أعود، وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر بلا عكس، والاعتذار عبارة عن محو أثر الذنب اهـ من الحدائق {فَانْطَلَقَا} أي فانطلق الخضر وموسى عليهما السلام بعد المرتين الأوليين بعدما شرطا ذلك (حتى إذا أتيا) ووصلا (أهل قرية) لئام أي بخلاء، قال قتادة: القرية أيلة أو أنطاكية، وقيل برقة، وقيل قرية من قرى أذربيجان، وقيل قرية من قرى الروم أي وصلاهم بعد الغروب في ليلة باردة (استطعما أهلها) أي طلبا من أهلها أن يطعموهما ضيافة، قيل: لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد أو لكراهة اجتماع الضميرين في هذه الكلمة أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم (نأبوا) أي فأبى أهل القرية وامتنعوا {أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} أي أن يطعموهما {فَوَجَدَا} أي فوجد الخضر وموسى عليهما السلام {فِيهَا} أي في تلك القرية {جِدَارًا} أي حائطًا مائلًا {يُرِيدُ} أي يوشك أن ينقض أي أن يسقط فمسحه الخضر بيده (فأقامه) أي أقام الخضر الجدار بالإشارة بيده فاستقام أو هدمه ثم بناه، وفسر الراوي قوله: (يريد أن ينقض) بقوله: (يقول): أي يريد الله سبحانه أي يعني الله بقوله: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} هو (مائل) أي ذلك الجدار مائل قريب إلى السقوط، فـ {قَال} الخضر) أي أشار الخضر إليه (بيده هكذا فأقامه) أي أثبته، قال القرطبي: الجدار الحائط، وينقض يسقط، ووصفه بالإرادة مجاز مستعمل لأن الجدار ليس له حقيقة الإرادة ومعناه قرب إلى الانقضاض وهو السقوط، وقد فسره في الحديث بقوله: (يقول مائل) فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن وهو مذهب الجمهور، ومما يدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>