(الخضر ما نقص علمي وعلمك) يا موسى (من علم الله) سبحانه (إلا مثل ما نقص) أي إلا قدر ما نقص (هذا العصفور) بمنقاره (من) ماء (البحر) فكان علمنا كالهباء المنثور بالنسبة إلى علم الله تعالى، ولفظ النقص ليس على ظاهره لأن علم الله تعالى لا يدخله النقص وإنما هو تمثيل للتقريب إلى الأفهام والمراد أن علم المخلوقات بالنسبة إلى علم الله تعالى شيء لا يعتد به، وقد وقع في رواية ابن جريج ما هو صريح في هذا المعنى ولفظه عند البخاري في التفسير (والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر) والروايات يُفسر بعضها بعضًا وهذا التوجيه هو الظاهر المتبادر من غير تكلف فلا حاجة إلى التوجيهات الأخرى التي تكلف بها الشراح وذكرها الأبي والحافظ في كتاب العلم من الفتح.
قوله:(يرحم الله موسى لو صبر) قال الأبي: لا يقال القطع إنما كان من الخضر فكيف يقال من موسى لو صبر وإنما القياس أن يقال ذلك في الخضر لأنا نقول إن موسى هو المشروط عليه الصبر ولم يتفق له التمادي عليه اهـ وقال أيضًا: (قوله: ما نقص علمي وعلمك) .. إلخ من المعلوم أن نقر العصفور ينقص من البحر وإن لم يظهر النقص لعظم ماء البحر وحينئذٍ يشكل التشبيه لأنه يقتضي أن النقص يعرض لعلم الله سبحانه وذلك مستحيل فيتعين التأويل، قال القاضي وتأويله أن يكون المراد بالعلم هنا المعلوم وأنه على سبيل التمثيل والتقريب للأفهام فالمعنى ما نسبة معلومي ومعلومك إلى معلومات الله تعالى إلا كنسبة ما نقصه العصفور إلى ماء البحر ولفظ النقص مجاز اهـ وقال النووي: هذا على التقريب للأفهام وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر اهـ، وقال القرطبي: والمراد من التمثيل نفي الأثر والنسبة، والمعنى أن معلومي ومعلومك لا نسبة له إلى معلومات الله تعالى كما أن الذي أخذ العصفور لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر.
(قلت): يعني لا أثر لنسبة تظهر وإلا فلما أخذ نسبة في نفس الأمر، والأولى أن يقال إنه على وجه التقريب للأفهام لأن التشبيه إنما يكون بين أمرين متناهيين وما نقص العصفور وماء البحر متناهيان ومعلومات الله تعالى غير متناهية فلا تعقل النسبة إليها، قال القرطبي: أيضًا أو يكون ذلك بالنسبة إلينا أي ما نقص معلومنا مما جهلناه من معلومات