تكون (ما) نكرة تامة صفة لمجيء مسوغة للابتداء به وهي التي تكون للتهويل والتفخيم والتعظيم كقولهم لأمر ما تسوّد من تسوّد، ولأمر ما تدرعت الدروع فيكون معناه مجيء عظيم وأمر مهم حملك على أن تركت ما كنت عليه من أمر بني إسرائيل واقتحمت الأسفار وقطع المفاوز والقفار، وقد زاد فيه بعض الرواة أن الخضر قال له:(وعليك السلام أنى بأرضنا يا نبي بني إسرائيل أما كان لك فيهم شغل؟ قال: بلى، ولكني أُمرت أن أصحبك مستفيدًا منك) فأجاب بجواب المتعلم المسترشد بين يدي العالم المرشد ملازمًا للأدب والحرمة ومعظمًا لمن شرفه الله بالعلم وأعلى رسمه، فـ (قال: جئتـ) ـك (لتعلمني مما علمت رشدًا) قرأه الجماعة بضم الراء وسكون الشين، وقرأه يعقوب وأبو عمرو بالفتح فيهما، وهما لغتان، ويقال: رشد بالفتح يرشد رشدًا بالضم ورشد بالكسر يرشد رشدًا بالفتح من باب فرح، ومعنى الرشد الاستقامة في الأمور وإصابة وجه السداد، والصواب فيها وضده الغي وهو منصوب عن المصدر ويكون في موضع الحال، ويصح أن يكون مفعولًا لأجله، وفيه من الفقه التذلل والتواضع للعالم وبين يديه واستئذانه في سؤاله والمبالغة في احترامه وإعظامه ومن لم يفعل هكذا فليس على سنة الأنبياء ولا على هديهم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد [٥/ ٣٢٣]، والحاكم في المستدرك [١/ ١٢٢] وصححه ووافقه الذهبي اهـ من المفهم (قال) الخضر: (انك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا) وذلك الذي لا تصبر عليه هو (شيء أُمرت به) أي بفعله من جهة الله، وجملة قوله:(أن أفعله) بدل من ضمير به (إذا رأيته) أي إذا رأيت ذلك الشيء (لم تصبر عليه) لمخالفته الشرع الظاهر الذي أنت عليه (قال) موسى: (ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا، قال) الخضر: (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) الخضر،