حزنًا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائمًا.
(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمن الناس) وزاد البخاري في رواية عبيد بن حنين قبله (يا أبا بكر لا تبك) وأمن اسم تفضيل من المن بمعنى العطاء لا من المنة التي تحبط العمل (علي) بمعنى لأجل، وفي قوله:(في ماله وصحبته) بمعنى اللام أي إن أكثر الناس بذلًا لنفسه وماله لأجلي (أبو بكر) حيث فارق أهله وماله وجعل نفسه وقاية لي اهـ من المرقاة.
قال القرطبي:(قوله صلى الله عليه وسلم عبد خيره الله تعالى) إلخ هذا قول فيه إبهام قصد به النبي صلى الله عليه وسلم اختبار أفهام أصحابه وكيفية تعلق قلوبهم به فظهر أن أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا، وهذا يدل من أبي بكر رضي الله عنه على أن قلبه ممتلئ من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستغرق عنه وشديد الاعتناء بأموره كلها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحد منهم في ذلك، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وصدر منه في ذلك الوقت الفهم عنه اختص بالخصوصية العظمى التي لم يظفر بمثلها بَشَرِيٌّ في الأولى ولا في الآخرة فقال: "إن من أمنِّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا" فقد تضمن هذا الكلام أن لأبي بكر من الفضائل والحقوق ما لا يشاركه فيها مخلوق، ووزن أفعل تفضيل من المنة بمعنى الامتنان أي أن أكثر الناس منة علي، ومعناه أن أبا بكر رضي الله عنه له من الحقوق ما لو كانت لغيره لامتنَّ بها وذلك أنه رضي الله عنه بادر النبي صلى الله عليه وسلم بالتصديق والناس كلهم مكذبون، وبنفقة الأموال العظيمة والناس يبخلون، وبالملازمة والمصاحبة والناس ينفرون، وهو مع ذلك بانشراح صدره ورسوخ علمه يعلم أن لله ولرسوله الفضل والإحسان والمنة والامتنان، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بكرم خلقه وجميل معاشرته اعترف بالفضل لمن صدر عنه وشكر الصنيعة لمن وجدت منه عملًا بشكر المنعم ليسن وليعلم، وهذا مثل ما جرى له يوم حنين مع الأنصار جث جمعهم فذكرهم بما له عليهم من المنن، ثم اعترف لهم بما