اعلم أن التوسع اسم يقع على جميع الأنواع المجازية كلها، واشتقاقه من السعة، وهو نقيض الضيق، فالضيق قصر الكلام على حقيقته من غير خروج عنها، والتوسع شامل لما ذكرناه من أنواع المجازات، فإطلاق التوسع على ما يندرج تحته من أنواع المجاز بمنزلة إطلاق الكلمة على ما يندرج تحته من أنواعها الخاصة الاسم والفعل والحرف، وهكذا اسم المجاز، فإنه شامل لأنواعه من الاستعارة، والكناية، والتمثيل، فهما سيان كما ترى فى إفادة ما تحتهما من هذه الأنواع، وليسا مختصين بنوع من المجاز دون نوع، فإذا تمهدت هذه القاعدة فلنذكر ماهية الاستعارة والتفرقة بينهما وبين التشبيه، ثم نذكر أمثلتها، ثم نردفه بذكر أقسامها وبذكر أحكامها الخاصة فهذه مباحث أربعة نفصلها بمعونة الله تعالى.
[البحث الأول فى بيان ماهية الاستعارة وبيان التفرقة بينها وبين التشبيه]
اعلم أن الاستعارة المجازية مأخوذة من الاستعارة الحقيقية، وإنما لقب هذا النوع من المجاز بالاستعارة أخذا لها مما ذكرناه، لأن الواحد منا يستعير من غيره رداء ليلبسه، ومثل هذا لا يقع إلا من شخصين بينهما معرفة ومعاملة فتقتضى تلك المعرفة استعارة أحدهما من الآخر فإذا لم يكن بينهما معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر من أجل الانقطاع، وهذا الحكم جار فى الاستعارة المجازية، فإنك لا تستعير أحد اللفظين للآخر إلا بواسطة التعارف المعنوى كما أن أحد الشخصين لا يستعير من الآخر إلا بواسطة المعرفة بينهما، فأما معناها فى مصطلح علماء البيان فقد ذكر فى تعريف ماهيتها أمور خمسة.
[التعريف الأول ذكره الرمانى]
وحاصل ما قاله فى الاستعارة أنها استعمال العبارة لغير ما وضعت له فى أصل اللغة، هذا ملخص كلامه، وهو فاسد من أوجه ثلاثة، أما أولا فلأن هذا يلزم منه أن يكون كل مجاز من باب الاستعارة وهو خطأ، فإن كل واحد من الأودية المجازية له حد يخالف حد الآخر وحقيقته، فلا وجه لخلطها، وأما ثانيا فلأن هذا يلزم عليه أن تكون