للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسنا، ويكسبانه رشاقة، فكيف يكونان معدودين من آفات الكلام ورذائله، فما هذا حاله فهو جهل بمواقع البلاغة، ومحاسن الفصاحة، وهما أيضا معدودان من أنواع البديع، أعنى المبالغة فى البيان والإيضاح، ويعدون ما كان غريبا وحشيا، فيه عنجهانية، ومن الكلام المجانب لمحاسن الفصاحة، وأما ثانيا فلأن ما هذا حاله فإنه يستحسنه الكتاب وأهل العلم بالحساب وهو أنهم إذا ذكروا عددين، ثم ضموا أحدهما إلى الآخر، فلا بد من ذكر تلك الجملة، التى يؤولان إليها عند اجتماعهما، ويسمون ذلك الفذلكة، فإذا قال: عندى له عشرون، وثلاثون، وخمسون، قال: فالجملة مائة كاملة، فما ذكروه جهل بهذه المقاصد وعدم إحاطة بما اشتملت عليه الأسرار القرآنية من المحاسن التى تفطن لها الأذكياء، وتقاعد عن فهمها الأغمار الأغبياء، وأما ثالثا فلأن المعيب بالإيضاح، إما أن يكون هو ذكر العشرة بعد ذكر السبعة، والثلاثة، فهذا خطأ قد ذكرنا وجهه على العلم بالأمور الحسابية، وإما أن يكون العيب بالإيضاح هو قوله عشرة كاملة، فإنه لا فائدة فى ذكر الكمال، فهذا خطأ أيضا، فإنه إنما ذكر الكمال اعتناء بصومها وحتما على عدم التفريق بينها، ولو أطلق وصف العشرة من غير وصف الكمال، لتوهم جواز الفصل بينها عند العودة إلى الأهل، ويجوز أن يكون أتى بها على جهة التأكيد المعنوى، كقوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣)

[الحاقة: ١٣] وقوله تعالى: فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)

[الحاقة: ١٤] فإن ذكر الوحدة إنما كان على جهة التأكيد من جهة المعنى بالصفة، ولو أوفوا النظر حقه لما عولوا على هذه الأنظار الركيكة، والمقاصد الفاسدة.

[الجهة الخامسة عشرة من الطعن على القرآن بالإضافة إلى المقصود منه؛]

وحاصل ما قالوه أن الغرض بالقرآن إنما هو هداية الخلق وتعريفهم الأحكام الشرعية، والتفرقة بين الحلال والحرام، وإعلامهم بما يجوز على الله، وما يجب، وما يستحيل، إلى غير ذلك من المقاصد العظيمة، والمنافع الجزلة، وهذا إنما يحصل إذا كان كله محكما يفهم المراد من ظاهره، لكن قد تقرر اشتماله على الأمور المتشابهة التى قصد بها خلاف ظواهرها فلو كان المقصود به هداية الخلق وإعلامهم بأحكام الأفعال العملية، لكان يجب أن يكون كله محكما، فلما ورد فيه المتشابه دل على أنه المقصود منه ليس هداية الخلق لأنه صار سببا للزلل، ومنشأ لضلال من يضل من الفرق، وأكثر ضلال أكثر الفرق، ما كان إلا من جهته، ولا وجه لذلك إلا الخطاب بالمتشابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>