كانت تابعة للألفاظ للزم فى كل معنى أن يكون له لفظ يدل عليه، وهذا باطل، فإن المعانى لا نهاية لها، والألفاظ متناهية، وما يكون بغير نهاية لا يكون تابعا لما له نهاية، وإنما كانت الألفاظ متناهية، لأنها داخلة فى الوجود، وكل ما داخله الوجود من المكونات فله نهاية لاستحالة وجود ما لا نهاية له، وموضعه الكتب العقلية، وقد رمزنا إلى دليله هناك، وإنما كانت المعانى بلا نهاية؛ لأنها غير موجودة وإنما هى حاصلة فى الذهن، وما وجد فقد تناهى، فأما مالا يوجد فليس له غاية، كالحقائق الذهنية، والأمور المتصورة، فإنه لا نهاية لها قبل تعلق العلم بها، فأما بعد تعلق العلوم بها فهى منحصرة بانحصار علومها.
لا يقال فإذا كانت المعانى، سابقة على الألفاظ، وهى أصل لها، فما تريدون بقولكم إن الألفاظ دالة على المعانى وهذا يشعر بأن المعانى تابعة للألفاظ، لأنا نقول: هذا فاسد، فإنا قد أوضحنا أن الألفاظ تابعة للمعانى بما سبق من الأدلة فلا وجه لتكريره، قوله فما تريدون بقولكم إن الألفاظ دالة على المعانى، قلنا الغرض من قولنا إن الألفاظ دالة على المعانى، هو أن المعانى سابقة فى الثبوت والاستقرار على الألفاظ، وهى بلا نهاية لكن احتيج إلى معرفة بعض تلك المعانى التى بلا نهاية من أجل التصرفات، وإحراز مقاصد الخلق، فلأجل هذا وضعوا لما تمسّ الحاجة إليه من المعانى ألفاظا تدل عليها وتكون مشعرة بها، لتواضعهم على إفادتها ليمكن التخاطب بها ويسهل قضاء الأوطار بسبب ذلك، وما كان عنه غنية فلا حاجة إلى أن يضعوا له ألفاظا تدل عليه لوقوع الاستغناء عنه بما ذكرناه، فينحل من مجموع ما ذكرناه أن الألفاظ تابعة للمعانى، وأنها بلا نهاية، وأن الألفاظ متناهية بما شرحناه والحمد لله.
[القانون الثانى فى كيفية دلالته على معناه]
اعلم أن الألفاظ من دلالتها على ما تدل عليه من المعانى لا يخلو حالها فى الدلالة، إما أن تكون مما يدخلها المجاز، أو مما لا يدخله المجاز فإن كان الثانى فهو الأعلام كزيد وعمرو، وليس من همنا ذكرها، وإنما غرضنا أن نذكر أسماء الأجناس، وما لا يجوز تغييره عن وضعه الأصلى، ثم هى فى ذلك على مراتب.