وهو «تفعيل» من قولهم سجّل الحاكم عليه تسجيلا، إذا كتب كتاب الحكم وأمضاه، وأسجل الكلام إسجالا إذا أطال ذيوله، والسّجيل الطويل من الضروع قاله الجوهرى، فهو مؤذن بالطويل فى كل ما سيق منه كما ترى، هذا فى اللغة، وأما معناه فى مصطلح علمآء البلاغة فهو تطويل الكلام والمبالغة فيما سيق من أجله من مدح أو ذم، وهو نوع من الإطناب، خلا أن الإطناب عام فى كل مقصود من الكلام، والتسجيل خاص فى المبالغة فى المدح أو الذم، والمثال فيه قوله تعالى فى ذم عبادة الأوثان والأصنام وتهجين من عبد سواه، فإنه سجل عليهم غاية التسجيل، ونعى إليهم أفعالهم، ووبخهم وسفه حلومهم، واسترك عقولهم على جهة التسجيل والتنويه بما عملوا: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)
[الحج: ٧٣] فانظر ماذا حازته هذه الآية من الإبانة عن نقص عقولهم، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ
[فاطر: ١٣] الآية إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تسفيه عقولهم وإظهار جهلهم، ومن ذلك ما ورد فى ذم الكفار من أهل الكتاب والمشركين فى صدر سورة البقرة فإن الله تعالى نعى عليهم تلك الأفعال الخبيثة وسجّلها عليهم، وذكر ما أكنّته صدورهم وأضمرته نفوسهم من الغدر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والإصرار على الكفر، والتمادى فى النفاق، والإعراض عما جاء به من النور المبين والصراط المستقيم، وتصميمهم على جحود ذلك وإنكاره، ومن ذلك ما كان من بنى إسرائيل من كتمان ما أنزل الله عليهم فى التوراة فى وصف رسول الله وتصديق ما جاء به، ونصب العداوة والمكر والخديعة، فأظهر الله ما كتموه من العداوة، وكشف ما أضمروه من الحسد