للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما قاله أبو تمام «١» :

وإن الغنى لى إن لحظت مطالبى ... من الشعر إلا فى مديحك أطوع

فقد اشتمل على اعتراضين، أحدهما قوله إن لحظت مطالبى، والآخر قوله «إلا فى مديحك» والمعنى فى البيت كله أن الغنى أطوع لى من الشعر لو لحظت مطالبى، وقوله إلا فى مديحك، جاء بالجملة الاستثنائية مقدمة، وموضعها التأخير، فاعترض بها بين الجملة الشرطية، وخبر إن، والمراد من هذا هو أن مطالبه من الشعر إذا لحظ نجاحها فالغنى بها أسهل من الشعر فى مدح كل أحد إلا فى مديحك، فإن الشعر أسهل علىّ، وهذا من محاسن ما يوجد فى الاعتراض، ومن ذلك قول كثيّر عزة:

لو أن الباخلين وأنت منهم ... رأوك لعلّموا الناس المطالا

فقوله: «وأنت منهم» ، اعتراض بين لو وجوابها، وفائدته التصريح بما هو المقصود من ذمّه وتأكيد انصراف الذم إليه، ومنه قول أبى تمام «٢» :

رددت رونق وجهى فى صحيفته ... ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم

وما أبالى وخير القول أصدقه ... حقنت لى ماء وجهى أم حقنت دمى

فقوله «وخير القول أصدقه» من الاعتراض الرائق وفائدته تحقيق المماثلة بين صيانة الوجه وحقن الدم.

[«الضرب الثانى» «من الاعتراض» وهو الذى يأتى لغير فائدة،]

ثم هو على وجهين،

[الوجه الأول منهما أن يكون غير مفيد لكنه لا يكسب الكلام حسنا ولا قبحا،]

وهذا كقول زهير «٣» :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبالك يسأم

فقوله «لا أبالك» من الاعتراض الذى ليس فيه فائدة توكيد، وليس فيه قبح، وهكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>