للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطرف الثانى فى بيان ما يتعلق بالفصاحة المعنوية]

وإنما أوردنا هذا بيانا للفصاحة المعنوية لما كان متعلّقا بالمعانى دون الألفاظ، وجملة ما نورده من ذلك ضروب عشرة، ففيها كفاية فى غرضنا.

[الضرب الأول التتميم]

وهو الإتيان بجملة عقيب كلام متقدم لإفادة التوكيد له والتقرير لمعناه، ومثاله قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا

وهل يجازى إلا الكفور (١٧) [سبأ: ١٧] فقوله: وهل يجازى إنما ورد على جهة التوكيد لما مضى من الكلام الأول، وقوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ

[الأنبياء: ٣٤] ثم قال: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)

[الأنبياء: ٣٤] فأورده على جهة توكيد الكلام الأول، ثم قال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ

[آل عمران: ١٨٥] تأكيدا ثانيا لما سلف من الجملة الأولى والله أعلم بالصواب.

[الضرب الثانى الائتلاف والملائمة]

وهو أن يكون اللفظ ملائما للمعنى، فإذا كان الموضع موضعا للوعد والبشارة، كان اللفظ رقيقا ومثاله قوله تعالى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)

[التوبة: ٢١] وقوله تعالى: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)

[الصف:

١٣] فانظر إلى هذه الألفاظ، كيف رقت وكان فيها من السلاسة ما لا يخفى، وإذا كان الموضع موضعا للوعيد والنذارة، وكان اللفظ جزلا، ومثاله قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا

[الأنعام: ٢٧] وقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢)

[القصص: ٦٢] فانظر إلى التفاوت بين المقامين فى الجزالة، والرقة، وكل واحد منهما ملائم للمعنى الذى جىء به من أجله، وهكذا تجد ألفاظ القرآن على هذه الصفة، وهذا إنما يدرك بالقريحة الصافية، والذوق السليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>