اعلم أن الكلام فى هذا الفصل وإن كان خليقا بإيراده فى المباحث الكلامية، والأسرار الإلهية، لكونه مختصا بها ومن أهم قواعدها، لما كان علامة دالة على النبوة وتصديقا لصاحب الشريعة، حيث اختاره الله تعالى بيانا لمعجزته، وعلما دالا على نبوته، وبرهانا على صحة رسالته، لكن لا يخفى تعلّقه بما نحن فيه تعلقا خاصا، والتصاقا ظاهرا، فإن الأخلق بالتحقيق أنا إذا تكلمنا على بلاغة غاية الإعجاز بتضمنه لأفانين البلاغة، فالأحق هو إيضاح ذلك، فنظهر وجه إعجازه، وبيان وجه الإعجاز، وإبراز المطاعن التى للمخالفين، والجواب عنها، والذى يقضى منه العجب، هو حال علماء البيان، وأهل البراعة فيه عن آخرهم، وهو أنهم أغفلوا ذكر هذه الأبواب فى مصنفاتهم بحيث إن واحدا منهم لم يذكره مع ما يظهر فيه من مزيد الاختصاص وعظم العلقة، لأن ما ذكروه من تلك الأسرار المعنوية، واللطائف البيانية من البديع وغيره، إنما كانت وصلة وذريعة إلى بيان السر واللّباب، والغرض المقصود عند ذوى الألباب، إنما هو بيان لطائف الإعجاز، وإدراك دقائقه، واستنهاض عجائبه، فكيف ساغ لهم تركها وأعرضوا عن ذكرها، وذكروا فى آخر مصنفاتهم ما هو بمعزل عنها، كذكر مخارج الحروف وغيرها مما ليس مهمّا، وإنما المهم ما ذكرناه، ثم لو عذرنا من كان منهم ليس له حظ فى المباحث الكلامية، ولا كانت له قدم راسخة فى العلوم الإلهية، وهم الأكثر منهم كالسكاكى، وابن الأثير، صاحب التبيان، وغيرهم ممن برّز فى علوم البيان، وصبغ بها يده، وبلغ فيها جدّه وجهده، فما بال من كان له فيها اليد الطولى، كابن الخطيب الرازى، فإنه أعرض عن ذلك فى كتابه المصنف فى علم البيان، فإنه لم يتعرض لهذه المباحث، ولا شم منها رائحة، ولكنه ذكر فى صدر كتاب النهاية كلاما قليلا فى وجه الإعجاز لا ينقع من غلّة، ولا ينفع من علّة، فإذا تمهد هذا فاعلم أن الذى يدل على إعجاز القرآن مسلكان.
المسلك الأول منهما من جهة التحدّى،
وتقريره هو أنه عليه السلام تحدّى به العرب الذين هم النهاية فى الفصاحة والبلاغة، والغاية فى الطلاقة والذّلاقة، وهم قد عجزوا عن معارضته، وكلما