[النمل: ٨٧] لأن إيثار الماضى والعدول إليه دال على مبالغة فى الثبوت والاستقرار، ومن هذا قوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ
[الكهف: ٤٧] ولم يقل: «ونحشرهم» . وقد يعدل إلى لفظ اسم المفعول عن الفعل الماضى، إجراء له مجرى الفعل المضارع، ومثاله قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)
[هود: ١٠٣] لأن التقدير فيه، «ذلك يوم يجمع فيه الناس» ، ويؤيده قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ
[التغابن: ٩] .
ومما جاء فى الالتفاتات من الأبيات الشعرية قول جرير «١» :
متى كان الخيام بذى طلوح ... سقيت الغيث أيّتها الخيام
فهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب. وكقول امرىء القيس «٢» :
تطاول ليلك بالإثمد ... ونام الخلّى ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذى العائر الأرمد
وذلك من نبأ جاءنى ... وخبّرته عن أبى الأسود
الأبيات، فتحصل من مجموع ما ذكرناه أن أهل البلاغة من العرب دأبهم الالتفات، ويستكثرون منه، وما ذاك إلا لأنهم يرون الانتقال من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأكثر لنشاطه، وأعظم فى إصغائه، وإذا كانوا يستحسنون قرى الأضياف وهو دأبهم وعليه هجيرهم وعادتهم فيخالفون فيه بين لون ولون، وطعم وطعم، أفلا يستحسنون نشاط الأفئدة وملاءمة القلوب بالمخالفة بين أسلوب. وأسلوب، بل يكون هذا أجدر فإن اقتدارهم على مخالفة أساليب الكلام أكثر من اقتدارهم على مخالفة الأطعمة؛ لأن البلاغة فى الكلام عليهم أيسر، وهم عليها أمكن وأقدر، فهذا ما أردناه من إيراد ما يتعلق بالالتفات من الخطاب.