وهذه أيضا هى فائدة التشبيه الكبرى، فإنه يخرج المبهم إلى الإيضاح والمتلبس إلى البيان، ويكسوه حلة الظهور بعد خفائه، والبروز بعد استتاره وهذا كقوله تعالى:
وإيضاحا وبيانا لأمرهم فيما ظهر لهم من النور التام بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإعراضهم عنه، فشبه حالهم فى ذلك بالمستوقد للنار، وبالصيب الذى فيه الرعد والبرق، كشفا لحالهم فى النفاق، وإظهارا لأمرهم فيه، فنظام هذه الآية وسياقها دال على نهاية الإيضاح بالتشبيه، وإظهار حالهم به، وهكذا إذا قلت زيد يفيض فيض البحر، ويقدم إقداما كالأسد، فإنك بذكر هذا التشبيه قد أوضحت أمره فى الكرم والشجاعة، وكشفت ذلك بالإيضاح كشفا لا غاية له ولا مزيد عليه، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» »
يعنى فى قطع العلائق، وخفة الحال، فإن الغريب لا علقة له فى بلاد الغربة، وابن السبيل لا لبث له إلا مقدار العبور وقطع المسافة، فهذا المعنى قد أظهره التشبيه نهاية الظهور وأوضح حاله كما تراه. ومنه قول أمير المؤمنين كرم الله وجهه «كن فى الفتنة كابن اللّيون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب» أراد أن الفتن إذا تلبس الإنسان بها ووقع فى غمرتها كان أدعى للهلاك وأقرب إلى تورط النفوس، وإذا كان لا علقة له بها، فربما كان ذلك أدعى للسلامة وأقرب إلى الخلاص عنها، وهذه المعانى قد أشعر بها التشبيه ودل عليها ومن واضح التشبيه قول أبى نواس فى ذم الدنيا وتقبيحها:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو فى ثياب صديق
فهذا من التشبيه الواضح المضمر الأداة فلهذا أوردناه ههنا، ومن أعجب ما يورد مثالا فى وضوح التشبيه قول البحترى: