صدر الجملة الابتدائية، بإنّ المؤكدة، لتدل على إيضاح الجملة وتحقيقها فى مبدأ الأمر ومطلعه، ثم قال: رَبَّكُمُ
يشير بذلك إلى الإبداع، والحدوث فيهم وأنهم مخلوقون مربوبون، وأنهم مندرجون تحت وجود الممكنات، داخلون فى حيز المكونات، وأنه لهم رب، ومالك لأمورهم وتصاريف أحوالهم، لا يملكها أحد غيره، ولا يقدر عليها سواه، وصدر الجملة بذكر الربوبية إشارة إلى عظم الاعتناء بذكرها وقطعا لاعتقاد من يعتقد خلاف ذلك، وتنبيها منه تعالى على استحقاقه لحقيقة الإلهية، من حيث كان مالكا لأزمّة الأمور، ومقاديرها، ومن لا يكون بهذه الصفة فإنه لا حظ له فيها، ولا يكون مستحقا لها بحال، وحكم على الربوبية بالإلهية، حيث جعل رَبَّكُمُ
مبتدأ وقوله اللَّهُ
خبره، إشارة إلى أن كل من كان موصوفا بالربوبية، فإنه مستحق للإلهية لا محالة، لأن استحقاقه للإلهية إنما يكون إذا كان منعما بأصول النعم، والرب هو المالك، ومن كان مالكا للشىء فله التصرف فيه، ومن ملك الشىء كان مستحقا لإعطائه وله من أصول النعم وفروعها، فلهذا قال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ
ولم يقل: إن الله ربكم ملاحظة لما ذكرناه، ويشير بهذا النظام والتأليف إلى نكتة لطيفة، وهى أن الإلهية أعم من الربوبية، والربوبية أخص منها، جريا على قانون القياس فى العربية، من أن خبر المبتدأ لابد من أن يكون أعم منه، ولهذا جاز أن يقال: الإنسان حيوان، ولا يقال. الحيوان إنسان، فالإلهية أعم من الربوبية، فالربوبية على الحقيقة لا يستحقها إلا هو، لأن معناها لا يصلح إلا فيه، وأما الإلهية وهى استحقاق العبادة، فقد شاركه فيها غيره، زعما أن غيره يستحق العبادة، فأما الربوبية وهى الملك، فإنه لا يخلص على الحقيقة إلا له لكونه مالك المكونات دون غيره، ومن عجيب ما تضمنه هذا التنبيه أنه جمع الوصفين منبها على عظم القهر والاستيلاء، فلهذا كان ربا مالكا، وعلى كونه مختصا بصفات الجلال، فلهذا كان إلها.
[التنبيه الثانى]
فى قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
لما خاطبهم بالخطاب الدال على نهاية الملاطفة لهم حيث أضاف نفسه إلى نفوسهم بقوله: رَبَّكُمُ اللَّهُ
لما لهم من الاختصاص به حيث كان مالكا لأمورهم ومدبرا لأحوالهم، وما له من الاختصاص بهم،