الضرب الأول فيما يكون بعيدا، فيذم ويستقبح، [التشبيه القبيح]
وإنما قدمنا الكلام على ما يكون مذموما، لأجل قلته وندوره، وأكثرها جار على اللطافة والرقة.
ثم هو على وجهين فى قبحه، الوجه الأول منهما ما كان مظهر الأداة فمن ذلك قول أبى نواس فى وصفه الخمر:
كأن يواقيتا رواكد حولها ... وزرق سنانير تدير عيونها
فما هذا حاله من التشبيه مع ما فيه من البعد والركة، فقد اشتمل على نوع غثاثة وسخف فى لفظه وبشاعة، ومن العجب أنه فى هذه القصيدة قد قرنه بالفائق الرائق، والبديع النادر، الذى أجاد فيه وأحسن وهو قوله:
كأنا حلول بين أكناف روضة ... إذا ما سلبناها مع الليل طينها
يعنى إذا فضوا ختام الدنان الخمرية عن أفواهها، فكأنها فى روضة من الرياض لما يحصل فى نفوسهم عند ذاك من الارتياح والطرب، فانظر كيف قرن بين حرزه، لا بل بين بعره وعنبره، ومما أساء فيه من التشبيه قوله:
وإذا ما الماء واقعها ... أظهرت شكلا من الغزل
لؤلؤات ينحدرن بها ... كانحدار الذر من جبل
فشبه حبب الخمر فى انحداره بنمل صغار ينحدرن من جبل، فأين هذا من قوله فى صفة الخمر:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب
ولقد أكثر من الخمريات حتى أتى فيها بما يخجل الأذهان، وبما ينزل قدره فى الإيمان. ومن بعيد التشبيه ما قاله الفرزدق:
يمشون فى حلق الحديد كما مشت ... جرب الجمال بها الكحيل المشعل
فشبه الرجل فى دروع الزرد، بالجمال الجرب، وهذا من التشبيه البعيد لأنه إن أراد السواد فلا مقاربة بينهما فى اللون، فإن لون الحديد أبيض، ومع ما فيه من البعد، ففيه أيضا سخف وغثاثة، ومن بعيد التشبيه ما أثر عن أبى الطيب المتنبى:
وجرى على الورق النجيع القانى ... فكأنه التارنج فى الأغصان
فما هذا حاله من التشبيه قد أنكره أهل هذه الصناعة، ووسموه بالنزول والشناعة، ومن ردىء التشبيه ما قاله فى بعض القصائد السيفية: