من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة أو الخباء، فقيل لهم: ليس البر تحرّجكم من دخول البيت، ولكن البر من اتقى محارم الله.
وثانيها أن يكون ذلك معطوفا على شىء محذوف، كأنه قيل لهم عند سؤالهم: معلوم أن كل ما يفعله الله تعالى فيه حكمة عظيمة، ومصلحة ظاهرة فى الأهلة وغيرها، فدعوا هذا السؤال، وانظروا فى خصلة تفعلونها أنتم مما ليس، من البر فى ورد، ولا صدر، وهى إتيان البيوت من ظهورها، فليست برّا، ولكن البر هو تقوى الله تعالى والتجنب لمحارمه ومناهيه، وثالثها أن يكون واردا على جهة التمثيل لما هم عليه من تعكيس الأسئلة ولما هم بصدده من التعنت، وأن مثالهم فى سؤالاتهم المتعنتة، كمثل من ترك باب الدار، ودخل من ظهر البيت فقيل لهم: ليس البر ما أنتم عليه، ولكن البر هو التقوى. ومنه قوله عليه السلام، حين سئل عن التوضؤ بماء البحر، فقال:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . فلما كان للبحر تعلق بحل الميتة كما كان له تعلق بجواز التوضؤ، ذكره على أثره، وأردفه به، وأتى به من غير واو، ليدل بذلك على أنهما جميعا من حكم ماء البحر ومن لوازمه.
[التنبيه الثالث]
إذا ورد لفظة «قال» فى التنزيل مجردة عن حرف العطف فهو على تقرير سؤال، وإن جاء متصلا به حرف العطف، فهو يأتى على إثر جملة يكون معطوفا عليها، فمثال وروده معطوفا قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً
[الذاريات: ٢٤- ٢٥] فالقول معطوف على الدخول، وهكذا قوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً
[الأنبياء: ٢٦] فإنه يكون عطفا على ما قبله بالواو، ونحو قوله تعالى: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ
[الزخرف: ٥٨] إلى غير ذلك، ومثال ما ورد مجرّدا عن العاطف قوله تعالى: فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧)
[الذاريات: ٢٧] لأنه لما قربه إليهم، كأن قائلا قال: فما قال لهم لما قربه، قال: ألا تأكلون، وهكذا قوله تعالى فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ
[الذاريات: ٢٨] كأن قائلا قال: فما قالوا له حين رأوه قد تغير لونه وداخله الخوف، قالوا: لا تخف، وقوله تعالى فى قصة فرعون وردّ موسى عليه يجب تنزيله على ما ذكرناه: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ