المعنوية، وهذا هو الغرض بقولنا علم المعانى وعلم البيان كما سبق تقريره.
[الضرب الثالث ما يكون بمعزل عن الفصاحة اللفظية والفصاحة المعنوية على الخصوص،]
ولكنه ينزل منزلة التتمة والتكملة لهما، ويكون تحسينا لهما وتزيينا لمواقعهما، وهذا نحو الكمال، والإيضاح، وحسن البيان، ونحو التتميم، والاستيعاب، والتذييل إلى غير ذلك من الأوصاف التى لا تستقل بنفسها، وإنما يكون حصولها على ما ذكرناه من مراعاة الإكمال وتحسين الهيئة كما أشرنا إليه فى الأصناف السابقة، ونظيره من علم الإعراب قولك:
ضرب زيدا عمرو، بتقديم المفعول على الفاعل، فإن ما هذا حاله قد أفاد كلاما مطابقا لقوانين العربية، خلا أنه لم يفت منه إلا تحسين الكلام وتزيينه، حيث لم يكن الفاعل لاصقا بالفعل، والمفعول متأخرا عن الفاعل، فهذا يجرى مجرى التحسين والإكمال للجملة لا غير، فهكذا ما قلناه من هذه الأبواب إنما وردت على جهة الإكمال والتحسين وإعطاء الهيئة الحسنة والتأليف العجيب فى الكلام، فأما أصل البلاغة والفصاحة، فهما حاصلان من دون هذه الأبواب كما يدريه العاقل الخبير بموارد البلاغة والفصاحة ومصادرها، وهذه الأبواب أيضا متقاربة، والأصناف وإن تعددت متدانية، لكنا أجريناها على هذا التقسيم جريا على عادة أهل البلاغة، واقتفاء لآثارهم، وهى عندنا فى الحقيقة متقاربة.
[التنبيه الثالث فى بيان مواقع البديع]
اعلم أن كل موضع من الكلام ليس صالحا لعلم البديع وإنما يصح فى مواضع من الكلم دون مواضع، فهذان تقريران نذكرهما بمعونة الله تعالى:
[التقرير الأول فى ذكر المواضع التى يصح دخوله فيها]
وجملة المداخل التى يختص بها شروط أربعة. الشرط الأول: أن يكون واردا فى الكلام المنظوم من هذه الأحرف المعتادة، أعنى حروف العربية، وهى التسعة والعشرون، فلا يجوز دخوله إلا فيما كان مؤلفا منها من الكلمات العربية دون غيرها من الكلم الفرسية والعبرانية والتركية، فهو مختص من بين سائر اللغات باللغة العربية، الشرط الثانى: أن يكون واردا فى الكلام الإسنادى التركيبى الذى يختص بالمعانى المفيدة، ولهذا فإنك لو أفردت الكلم المفردة فقلت زيد، عمرو، بكر، خالد، لم يكن مفيدا فائدة لعدم الإسناد،