للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوردناه على اتساعه، ووضوح أمره جار على الاطراد فى تشبيه الأدنى بالأعلا، والأقل بالأكثر والفاضل بالأفضل، والحقير بالأحقر، كما قرّرناه ومنه قول امرىء القيس فى صفة الفرس:

كأن سراته لدى البيت قائما ... مداك عروس أو صلاية حنظل

وقال ابن دريد فى صفة السيف:

كأن بين عيره وغربه ... مفتأدّا تأكلت فيه الجذا

وقول عمرو بن كلثوم يصف امرأة:

وثديا مثل حق العاج رخصّا ... حصانا من أكف اللامسينا

ونحرا مثل ضوء البدر وافى ... بأسعده أناسا مدجنينا

وقوله فى صفة الخمر:

مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا

والحص الورس، لأنها إذا مزجت بالماء رقت بصفرة فاقعة.

[المرتبة الثانية فى بيان التشبيه المنعكس]

اعلم أن هذا النوع من التشبيه، يرد على العكس والندور، وبابه الواسع هو الاطراد كما أشرنا إليه، وإنما لقب بالمنعكس لما كان جاريا على خلاف العادة والإلف فى مجارى التشبيه، وقد يقال له غلبة الفروع على الأصول، وكل هذه الألقاب دالة على خروجه عن القياس المطرد، والمعيه المستمر، وله موقع عظيم فى إفادة البلاغة، وقد ذكره ابن الأثير فى كتابه المثل السائر وقرره ابن جنى فى كتاب الخصائص، والشرط فى استعماله أن لا يرد إلا فيما كان متعارفا، حتى تظهر فيه صورة الانعكاس، كما سنقرره فى أمثلته، لأنه لو ورد فى غير التعارف لكان قبيحا، لأن مطرد العادة فى البلاغة على تشبيه الأدنى بالأعلا، فإذا جاء على خلاف ذلك فهو معكوس، ومن الأمثلة الواردة فيه قول ذى الرمة:

ورمل كأرداف العذارى قطعته ... إذا لبسته المظلمات الحنادس

فانظر إلى ما فعله ذو الرمة، كيف جعل الأصل فرعا، والفرع أصلا، وذلك أن العادة جارية بتشبيه أعجاز النساء، بكثبان الأنقاء، فعكس ذو الرمة القضية، فشبه كثبان الأنقاء

<<  <  ج: ص:  >  >>