إذا ما الثريا فى السماء تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل
ودونه فى التشبيه مشابهة العين بالنرجس فى قوله:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس
فمراتب التشبيه متفاوتة رقة وصفاء.
[الكيفية الثالثة]
إن المعانى العقلية وإن كانت ثابتة مقطوعا بها متيقنة، خلا أن التمسك بالمحسوسات والتعويل عليها فى المشابهة أولى وأحق، لكونها تفيد زيادة قوة ومزيد إيضاح، وإنما كان الأمر كما قلنا لأوجه ثلاثة.
أما أولا فلما يحصل بها من الوثاقة واطمئنان النفس إليها، وانشراح الصدر بها، وقد أشار الله إلى ما قلناه بقوله تعالى: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
[البقرة: ٢٦٠] وأما ثانيا فلأنك إذا كنت بجانب نهر وأنت تريد أن تخبر بأن فعل صاحبك لا ثمرة له ولا يحصل منه على فائدة، فوضعت كفك فى الماء ورفعتها، وقلت انظر إلى كفى، هل حصل فيه شىء من الماء، فهكذا أنت فيما تفعله وتعالجه كان فى ذلك ضرب من التأثير والقوة والتأكيد أكثر مما فى النطق والقول، وما ذاك إلا من أجل تعقله بالإدراك، وأما ثالثا فلأنك لو أردت ضرب مثال فى تباين الشيئين وتنافيهما، فأشرت إلى الماء والنار فقلت: هل هذان يجتمعان فإنك تجد فى نفسك لتمثلك من التأثير ما لا تجده إذا أخبرت عن ذلك بالقول، فقلت هل يجتمع الماء والنار كما قال بعضهم:
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب فى الماء جذوة نار
ومصداق ما ذكرناه ههنا هو أنك تجد فى قوله:
ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
ما لا تجده فى نحو قوله:
فى ليل صول تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول
من مزيد القوة والتأكيد، وما ذاك إلا لأن الأول مبنى على الإدراك دون الآخر مع أن الأول فى المبالغة دون الثانى، فإن ظل الرمح متناه واتصال ليل صول بالليل لا نهاية له، ولكن الوجه فى قوّته ما ذكرناه فيه.