[الحكم السابع فى التفرقة بين الاستعارة المحققة وبين الخيالية]
اعلم أن كل ما كان من الاستعارات لا يفهم منه معنى التشبيه لا على قرب ولا بعد كقوله:
أثمرت أغصان راحته ... لجناة الحسن عنابا
فما هذا حاله من الاستعارات محقق لا يفهم منه معنى التشبيه بحال، ولو ذهبت تقدر التشبيه أخرجته عن حقيقة البلاغة، وسلبت عنه ثوب جمالها، فأما ما كان من الاستعارات يفهم منه معنى التشبيه الذى لا يدرك فى الوجود ويكون متصورا فى الخيال، فهذه هى الاستعارات الخيالية، وهذا كقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ
[المائدة: ٦٤] وجميع آيات التشبيه كله من باب الاستعارات الخيالية، فحاصل التفرقة آئل إلى أن كل ما كان من الاستعارات لا يفهم منه معنى التشبيه فهى الاستعارة المحققة، وما كان منها يدرك فيه التشبيه على جهة التقدير فهى الخيالية، وما كان يدرك فيه التشبيه على جهة التحقيق، فهو الاستعارة المشبهة، وقد قررنا هذه الأمثلة فلا مطمع فى الإعادة لها، وفيما ذكرناه كفاية فى أحكام الاستعارة، ولنختم هذه القاعدة بالكلام فى ذكر الاستعارة فيه باعتبار أمره فى نفسه فهو المعبر عنه بالأصلية، وما كانت الاستعارة فيه باعتبار حال غيره، فهو المعبر عنه بالتبعية، فالأول هو ما كان من الاستعارة متعلقا بأسماء الأجناس فهو بالأصالة، وأكثر ما يرد فيه كما أوضحنا أمثلته فى الاستعارات وكل ما كان واردا فى الأفعال، والحروف، فهو من الاستعارات التبعية، لأنها إنما وردت فى الأفعال باعتبار مصادرها، وإنما وردت فى الحروف باعتبار متعلقاتها، فمثال الأفعال قولك: تخبرنى حالك بأنك عائب على، وحالك ينطق لى بأنك مفارقى، ومثال الحروف قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[القصص: ٨] فاللام للتعليل، وليس ههنا تعليل ولكنها ترد على جهة الاستعارة لمعان أخر، والاستعارة فيها إنما وردت باعتبار غيرها كما أوضحناه، وهكذا الأمر فى سائر الأفعال، والحروف، فإنها إنما ترد فيها الاستعارة إذا جاءت مخالفة لموضوعاتها الأصلية، فإنها على جهة الاستعارة من غيرها والله أعلم بالصواب.