[القاعدة الثانية من قواعد المجاز فى ذكر التشبيه وحقائقه]
هذه قاعدة واسعة النطاق ممتدة الحواشى، فسيحة الخطور، ولكنها غامضة المدرك، متوعرة المسلك، دقيقة المجرى عزيزة الجدوى، وإنما قدمنا عليها الكلام فى الاستعارة، لاتفاق علماء البيان على عدّها قاعدة من قواعد المجاز، ولا خلاف بين علماء البيان على عدها قاعدة من قواعد المجاز، ولا خلاف بين علماء البيان فى أن التشبيه من أودية البلاغة، وإنما وقع النزاع هل يعد من أودية المجاز أم لا، فالذى عليه النظار من علماء البلاغة وأهل التحقيق من علماء البيان أنه غير معدود فى المجاز، وهو رأى الشيخ ناصر بن أبى المكارم المطرزى فى شرحه للحريريات، وعن ابن الأثير أنه معدود من جملة المجاز، ويمكن الانتصار له على المطرزى بأمرين، أما أولا فلأنه عد الكناية من أودية المجاز، والتشبيه أقرب منها إليه، وأما ثانيا فلأن مضمر الأداة من التشبيه معدود فى الاستعارة، وقد اعترف بها، فإذن لا وجه لإنكار التشبيه أن يكون معدودا من أودية المجاز، والعجب منه فى قبول الكناية وعدها من المجازات، وإنكار ما ذكرناه من التشبيه، مع أن الكناية دالة على موضوعها الأصلى فى اللغة، كما سنقرره عند الكلام فيها بمشيئة الله تعالى.
واعلم أنا
[قبل الخوض فى أسرار التشبيه وذكر حقائقه، نقدم التنبيه على أمور أربعة تكون كالتمهيد والتوطئة لما نريد ذكره من ذلك.]
[التنبيه الأول فى بيان ماهية التشبيه]
أما لفظه فهو مصدر من قولهم شبهته بكذا، إذا جمعت بينهما بوصف جامع، وأما فى مصطلح علماء البيان فنذكر له تعريفات ثلاثة وفيها كفاية.
[التعريف الأول ذكره المطرزى،]
وحاصل كلامه فى ماهيته هو الدلالة على اشتراك شيئين فى وصف هو من أوصاف الشىء فى نفسه، هذه الفاظه، وهذا فاسد لأمرين، أما أولا، فلأنه إن أراد بالدلالة حقيقتها، فالشىء لا يدل على نفسه، ومن حق الدليل أن يكون مغايرا له لمدلوله،