اعلم أن هذا الفن من التصرف فى الكلام مختص بأنواع التركيب، ولا يكون واقعا فى المفردات، وهو خلاصة علمى المعانى والبيان ومصاص سكّرهما، وقد قررنا فيما سبق ماهية الفصاحة والبلاغة. فأغنى عن ذكرهما.
وعلم البديع هو تابع للفصاحة والبلاغة، فإذن هو صفو الصفو وخلاص الخلاص، وبيان ذلك هو أن العلوم الأدبية بالإضافة إلى حاجته إليها وترتّبه عليها على خمس مرات، كل واحدة منها أخص من الأخرى، وهو الغاية التى تنتهى إليه كلها إذ «ليس وراء عبّادان قرية» .
[المرتبة الأولى علم اللغة]
وهو علم الألفاظ المجردة الموضوعة للدلالة على معانيها المفردة كالإنسان، والفرس، والجدار، وغير ذلك، فإنه لا يستفاد منه إلا ما ذكرناه من المعانى المفردة من غير زيادة عليه.
[المرتبة الثانية علم التصريف]
وهو علم جليل القدر من علوم الأدب متعلّقه العلم بتصحيح الألفاظ، وهو أخص من علم اللغة، لأن متعلقه ليس إلا سلامة الألفاظ ومعرفة أصليّها من زائدها وصحيحها من عليلها، وإجراء إعلالها على القوانين المألوفة.
[المرتبة الثالثة علم الإعراب]
وهو أخص مما سبقه، لأن ما سبقه من علم اللغة والتصريف، يختصان بالأمور المفردة، وهذا مختص بالكلم المركبة، لأن الإعراب لا يستحق إلا بعد العقد والتركيب، فمن أجل ذلك كان أخص حكما فيهما لما ذكرناه، ومحصوله فائدة التركيب وهو إفادة الكلام.
[المرتبة الرابعة علم المعانى]
وهو أخص من علم الإعراب من جهة أن علم الإعراب تحصل فائدته بمطلق التركيب، وعلم المعانى له فائدة وراء ما ذكرناه من التركيب، وهو ما يتعلق بالأمور الخبرية، من تعريفها، وتنكيرها، وتقديمها، وتأخيرها، وفصلها، ووصلها، وبالأمور الطلبية الإنشائية، كالأوامر، والنواهى، والتمنى، والترجى، والدعاء، والنداء، والعرض، فانظر فيها أخص من النظر فى علم الإعراب كما ترى.