الكناية مقولة على ما يتكلم به الإنسان، ويريد به غيره، وأنشد الجوهرى لأبى زياد
وإنى لأكنو عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانا بها وأصارح
والكناية بالضم، والكسر فى فائها، واحدة الكنى، واشتقاقها من الستر، يقال. كنيت الشىء، إذا سترته، وإنما أجرى هذا الاسم على هذا النوع من الكلام، لأنه يستر معنى ويظهر غيره، فلا جرم سميت كناية، فالعرف متناول للعبارة كما ترى.
[المجرى الثالث فى مصطلح النظار من علماء البيان]
وقد ذكروا فى بيان معناها تعريفات كثيرة، ونحن نورد الأقوى منها بمشيئة الله تعالى.
[التعريف الأول ذكره الشيخ عبد القاهر الجرجانى.]
وحاصل كلامه هى أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعانى فلا يذكره باللفظ الموضوع له فى اللغة، ويأتى بتاليه وجودا، فيومىء به إليه، ويجعله دليلا عليه، ومثاله قولنا: فلان كثير رماد القدر، طويل نجاد السيف، فنكنى بالأول عن جوده، وبالثانى عن طول قامته، هذا ملخص كلامه، وهذا فاسد لأمور ثلاثة، أما أولا فلأن قوله «ويأتى بتاليه» إما أن يريد بتاليه مثله، فهو خطأ، فإن الكناية ليست مماثلة لما كان من اللفظ الذى ترك بالكناية، لأن كثرة الرماد، ليس مماثلا لكونه كريما، وإما أن يريد معنى آخر، فيجب ذكره، حتى ننظر فيه، إما بصحة، وإما بفساد، وأما ثانيا فلأن قوله «فيؤمىء به» ليس يخلو الإيماء، إما أن يكون على جهة الحقيقة، أو على جهة المجاز، فلفظة الإيماء محتملة لما ذكرناه وليس فى الإيماء إشارة إلى أحد الوجهين، فلابد من بيان أحدهما، وإلا كان كلاما مجملا لا يفيد فائدة، وهو مجانب لصناعة الحدود، وأما ثالثا فلأن ما هذا حاله ينتقض بالاستعارة فى نحو قولك: رأيت الأسد، ولقيت بحرا، فإنك فيه قد تركت اللفظ الموضوع للشجاعة والكرم، وأتيت بتاليهما، وأومأت بهما إليه، وإذا دخلت الاستعارة فى هذا الحد كان باطلا، لأنه لم يفد خصوصية الكناية على انفرادها، وقد مر الشيخان أبو المكارم صاحب التبيان، والمطرزى على ما قاله الشيخ عبد القاهر، ولم يعترضاه بما ذكرناه من الإفساد.