للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع فى بيان أقسام الكناية وذكر طرف من أحكامها الخاصة]

اعلم أن الشيخ عبد القاهر الجرجانى وغيره من أفاضل علماء البيان مطبقون على أن الكناية أبلغ من الإفصاح بذلك المعنى المكنى به عنه، وأعظم مبالغة فى ثبوته، والحجة على ما قلناه، هو أنك إذا كنيت عن كثرة القرى بقولك فلان كثير رماد القدر، فإنك تكون مثبتا لكثرة القرى بإثبات شاهدها وأقمت برهانا على صحتها وثبوتها، وعلما على صحة وجودها، وذلك لا محالة يكون أبلغ من إثباتها بنفسها فتكون بمنزلة دعوى مجردة عن البرهان، فأين حال دعوى مقررة بالدليل، عن حال دعوى لا يؤيدها برهان ولا تعليل، فإذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان الأقسام والأحكام، فهذان بحثان، نفصلهما بمعونة الله تعالى.

[البحث الأول فى بيان أقسامها]

وتنقسم باعتبارات كثيرة ولكنا نشير إلى ما يخص ما نحن فيه وهى ثلاثة:

[التقسيم الأول باعتبار ذاتها إلى مفردة، ومركبة]

، فأما [المفردة]

، فهى ما كانت الكناية حاصلة فى اللفظة الواحدة، وهذا كقوله تعالى إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ

[ص: ٢٣] فالمراد بالنعجة فى كلا الموضعين، المرأة، إنما كنى بالنعجة عن المرأة لما بينهما من الملائمة فى التذلل والضعف والرحمة وكثرة التآلف وكقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ

[النساء: ٤٣] فإنه كناية عن الجماع وحكى عن الفراء أنه قال: إن الجبال فى قوله تعالى: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ

[إبراهيم: ٤٦] المراد منه أمر النبى صلّى الله عليه وسلّم، فجعل الجبال كناية عنه، وهذا إنما يحمل على هذا المعنى إذا كانت «إن» نافية، فيكون المعنى وما كان مكرهم ليزول به أمر النبى صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به الحجج الواضحة، فأما إذا كانت «إن» على بابها فى التوكيد للجملة، فالجبال باقية على حقيقتها، ويكون المعنى فيه وإن كان مكرهم من عظمة أمره وفخامة شأنه فى الإنكار والتكذيب لتزول منه الجبال الرواسى على رسوخها، وقوة

<<  <  ج: ص:  >  >>