للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصنف السادس فى ذكر [اللف والنشر]

وهو فى لسان علماء البيان عبارة عن ذكر الشيئين على جهة الاجتماع مطلقين عن التقييد ثم يوفّى بما يليق بكل واحد منهما اتكالا على أن السامع لوضوح الحال يرد إلى كل واحد منهما ما يليق به، وهو فى الحقيقة جمع ثم تفريق، واشتقاقهما من قولهم: لف الثوب إذا جمعه، ونشر الثياب إذا فرقها، ومنه قوله تعالى: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ

[الشورى: ٢٨] أى يفرقها فى عباده على قدر ما يعلمه من الصلاح، ومثاله من التنزيل قوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ

[القصص: ٧٣] فجمع بين الليل والنهار بواو العطف، ثم بعد ذلك أضاف إلى كل واحد منهما ما يليق به، فأضاف السكون إلى الليل، لأن حركات الخلق تسكن ليلا لأجل النوم، ثم قال بعد ذلك وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ

أضافه إلى النهار، لأن ابتغاء الأرزاق إنما يكون نهارا بالتصرف والاضطراب، واكتفى فى الإضافة بما يعلم من ظاهر الحال، وهو أن السكون مضاف، إلى الليل، لما فيه من الاستراحة بترك التصرفات، وأن الابتغاء مضاف إلى النهار لما يظهر فيه من الحركة، ولم يقل جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار لتبتغوا من فضله، إيثارا لما يظهر فى اللف بعده النشر، من البلاغة وحسن التأليف، ومنه قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى

[البقرة: ١١١] فقوله وقالوا أراد به اليهود والنصارى فجمعهما فى الضمير ولفهما بذكره، ثم إنه نشرهما بعد ذلك بقوله: مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى

والتقدير فيه وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، فجمعه بما ذكرنا، ثم فصله ولم يقل ذلك كل واحدة من الطائفتين، بل أراد التكرير كما أشرنا إليه، ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وآله: فإن المرء بين يومين يوم قد مضى أحصى فيه عمله فحتّم عليه. ويوم قد بقى لا يدرى لعله لا يصل إليه، فقوله بين يومين، يكون من اللف، لاشتمالهما على ما

<<  <  ج: ص:  >  >>