والترديد تفعيل من قولهم: ردد الثوب من جانب إلى جانب، وردد الحديث ترديدا أى كرره، ومعناه فى مصطلح علماء البيان أن تعلّق اللفظة بمعنى من المعانى ثم تردّها بعينها وتعلقها بمعنى آخر، وعند هذا يحسن رصفه ويعجب تأليفه هذا كقول أبى نواس فى وصف الخمر «١» :
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
فأضاف المس الأول إلى الحجر فى الأول ثم أضاف المس إلى السراء فى الثانى ليكون الكلام متناسبا مفيدا لفائدة جديدة وكقول ابن جبلة:
مضطرب يرتجّ من أقطاره ... كالماء جالت فيه ريح فاضطرب
إذا تظنّينا به صدّقنا ... وإن تظنّى فوقه الدهر كذب
لا يبلغ الجهد به راكبه ... ويبلغ الريح به حيث طلب
ففى كل واحد من هذه الأبيات لفظة مكررة قد علق عليها فى الأول ما لم يعلق عليها فى الثناء كما تراه حاصلا فى صورته، وما هذا حاله يقال له التعطف لأنه يتعطف على الكلمة الواحدة فيوردها مرتين، ومنه تعطفت الناقة على ولدها إذا كانت ترضعه مرة بعد مرة، فهذا ما أردنا ذكره فى هذا النمط من أنواع البديع المتعلقة بالفصاحة اللفظية، قد اقتصرنا فيه على هذا القدر ففيه كفاية، ونحن وإن أخللنا بشىء من أوصافه فإنه مندرج تحت ما ذكرناه من هذه الأصناف بمعونة الله تعالى.