اعلم أن فصاحة القرآن وبلاغته أظهر من أن تكشف، ولا خلاف بين العقلاء فى فصاحته وبلاغته، وإنما يؤثر الخلاف: هل فى المقدور ما هو أفصح منه وأبلغ، والمختار أن فى مقدور الله ما هو أبلغ وأدخل فى الفصاحة والبلاغة، لأن خلاف ذلك يمكن، والقدرة الإلهية لا تعجز عن أبلغ منه وأوضح، وأعلا مرتبة منه، ولكنا نذكر فصاحته على جهة التأكيد والاستظهار، ولنا فى تقرير فصاحته طريقتان:
[الطريقة الاولى منهما مجملة]
وفيها مسالك ثلاثة:
[المسلك الأول منها]
هو أنا قد قررنا فيما سبق معنى البلاغة والفصاحة وحقائقهما، وأشرنا إلى بيان التفرقة بينهما، وتلك المعانى التى ذكرناها فيهما حاصلة فى القرآن، فيجب القضاء بكونه فصيحا، سواء قلنا إن الفصاحة راجعة إلى الألفاظ، والبلاغة راجعة إلى المعانى، كما هو المختار عندنا، وقد سبق تقريره، أو سواء قلنا إنهما شىء واحد يقعان على فائدة واحدة، فكل كلام فصيح فهو بليغ، وكل بليغ من الكلام فهو فصيح، فعلى جميع وجوههما فهما حاصلان فى القرآن على أوضح حصول وأكمله، فيجب القضاء بكونه فصيحا، وهذا هو المقصود من الدلالة.
[المسلك الثانى]
هو أنك إذا فكرت وأمعنت النظر فى كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفى كلام أمير المؤمنين، وغيرهما ممن كان معدودا فى زمرة الفصحاء وكان له منطق فى البلاغة فى المواعظ والخطب، والكلم القصيرة، ومواقع الإطناب، والاختصار فى المقامات المشهودة، والمحافل المجتمعة، وجدت القرآن متميزا عن تلك الكلمات كلها تميزا لا يتمارى فيه منصف، ولا يشتبه على من له أدنى ذوق فى معرفة بلاغة الكلام وفصاحته، وذلك التميز تارة يكون راجعا إلى ألفاظه من فصاحة أبنيتها، وعذوبة تركيب أحرفها، وسلاسة صيغها، وكونها مجانبة