للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الضرب الثانى فى بيان عطف الجمل بعضها على بعض]

وما هذا حاله فهو كثير الدّور فى كتاب الله تعالى، ولابد أن يكون بينهما نوع ملاءمة لأجله جاز عطف إحداها على الأخرى، كقوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ

[النساء: ١٤٢] وقوله تعالى: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)

[النساء: ١٤٢] ونحو قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا

[الأعراف: ٣١] فأما قوله تعالى: إِنَّهُ «١» لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)

[الأعراف: ٣١] فإنما ورد من غير ذكر الواو، لما كان واردا على جهة التعليل، فلهذا لم ترد فيه واو، كقوله تعالى: لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ

[الأنفال: ١٣] ومن هذا قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)

[الانفطار: ١- ٤] فهذه الأمور كلها عطف بعضها على بعض بجامع يجمعها، وهو كونها من أمارات القيامة، ومن هذا قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ

[ق: ١٢- ١٤] فإنما جاز العطف فى هؤلاء بعضهم على بعض، باعتبار أمر جامع، وهو تكذيب الرسل وجحد ما جاءوا به من المعجزات الظاهرة، فهم وإن اختلفوا وتباينوا فهم متفقون فيما ذكرناه، وهكذا قوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ

[الأنعام: ١] إنما عطف أحدهما على الآخر باعتبار كونهما ضدين، والضد ملازم لضده، فهذا هو الذى سوغ العطف فيهما، ولا تزال فى تصفحك لآى التنزيل، واستهلال أسراره تطلع على فوائد جمة، ونكت غزيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>