للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من رآه توهم أنه هو الملك، لكنت قد أعرته الملك، لأن المقصود من هيئة الملك حصول المهابة فى النفوس والجلالة فى الأعيان، ولكن ذلك غير حاصل مع بقاء ما يدل على كونه سوقيا، فهكذا ما نحن فيه إذا قلت زيد أسد، فقد نفيت عنه ما يدل على أنه ليس بأسد، لأن الذاتين لا يكونان ذاتا واحدة، فلا جرم لا تحصل المبالغة المقصودة من الاستعارة فلا تكون الإعارة حاصلة.

الحجة الثانية، إن المقصود من الاستعارة هو أن يحصل للمستعير من المنافع مثل ما كان حاصلا للمعير منها، كالثوب مثلا فإن المستعير يلبسه كما يلبسه المعير سواء، فإذا قلت زيد أسد، فالمقصود من هذا الإخبار عن الشخص المعلوم بكونه أسدا لا غير، بخلاف قولك: لقيت الأسد، فإنك تفيد به أنه هو الحيوان المعلوم فى الشجاعة، فقد صار الاسم منتفعا بالشجاعة مثل انتفاع الأسد بها، بخلاف قولك زيد الأسد، فلم يقع ذلك الموقع، فلهذا لم يكن منتفعا بها، فلا جرم قضينا بكونه غير مستعار لما ذكرناه.

[المذهب الثانى أنه بحقيقة الاستعارة أشبه]

، وقد قال به أبو هلال العسكرى، والغانمى، وأبو الحسن الآمدى، وأبو محمد الخفاجى، وغيرهم من علماء البيان ولهم حجتان.

الحجة الأولى، قولهم الاستعارة ليس لها آلة، والتشبيه له الآلة، فما كانت فيه آلة التشبيه ظاهرة فهو تشبيه، وما لم تكن فيه ظاهرة فهو استعارة، فقوله زيد الأسد لا آلة فيه فوجب كونه من الاستعارة.

الحجة الثانية، هو أن المفهوم من قولنا زيد الأسد، مثل المفهوم من قولنا لقيت الأسد، وأتانى أسد، فإذا كان مفهومهما واحدا فى المبالغة فى المجاز، فإذا قضينا بكون أحدهما استعارة وجب أن يكون الآخر كذلك من غير تفرقة بينهما، هذا مغزى كلام الفريقين مع فضل تهذيب منا له لم يذكروه، وقد لخصناه، والمختار عندنا تفصيل نرمز إلى مباديه، وحاصله أنا نقول: ما كان من قبيل التشبيه المضمر الأداة كقولنا: زيد الأسد، وزيد أسد، فليس يخلو حاله من قسمين:

فالقسم الأول أن يكون الكلام مسوقا على جهة الاستعارة، فلو قدرنا ظهور آلة التشبيه لنزل قدره ولخرج عن ديباجة بلاغته، فما هذا حاله يكون من باب الاستعارة، ويفسد

<<  <  ج: ص:  >  >>