للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشبه، كقولنا زيد أسد، فإنك ما ذكرت زيدا باسم الأسد، بل ذكرته باسمه الخاص له، فلا جرم ليس ذلك من الاستعارة وقولنا وإثبات ما لغيره له، ذكرناه ليدخل فيه الاستعارة التخييلية، وقولنا لأجل المبالغة فى التشبيه، ذكرناه من الحد، وهو فاسد لأمرين، أما أولا فلأنه ذكر التشبيه قيدا فى الحد، وبذكره يخرج عن حد الاستعارة، لأنها مخالفة للتشبيه فى ماهيتها وحكمها، فلا يدخل أحدهما فى الآخر، وأما ثانيا فلأنه أورد فيه لفظ التعليل، وهو قوله لأجل المبالغة، والحد إنما يراد لتصور الماهية مطلقة من غير تعليل فبطل ما قاله.

[التعريف الخامس وهو المختار،]

أن يقال تصييرك الشىء الشىء وليس به، وجعلك الشىء للشىء وليس له بحيث لا يلحظ فيه معنى التشبيه صورة ولا حكما، ولنفسر هذه القيود، فقولنا «تصييرك الشىء الشىء وليس به وجعلك الشىء للشىء وليس له» شامل لنوعى الاستعارة، فالأول كقولك لقيت أسدا، وأتيت بحرا، والثانى كقولك رأيت رجلا أظفاره وافرة، وقصدت رجلا تتقاذف أمواج بحره، وفلان بيده زمام الأمر، وقولنا «بحيث لا يلحظ فيه معنى التشبيه صورة» كقولك زيد كالأسد ومثل البحر، فإن ما هذا حاله ليس من باب الاستعارة فى شىء لما يظهر فيه من صورة التشبيه، وأحد البابين مغاير للآخر فلا يمزج أحدهما بصاحبه، وقولنا «ولا حكما» يحترز به عن صورة واحدة، وهى قولنا زيد أسد، وعمرو بحر، فهل يعد هذا من باب الاستعارة، أو يكون معدودا فى التشبيه، فأكثر علماء البيان على عده من باب التشبيه، وإدخاله فى حيرة، ومنهم من زعم أنه معدود فى الاستعارة لتجرده من آلة التشبيه، فصار الأمر فى الاستعارة والتشبيه جاريا على ثلاثة أوجه، أولها أن يكون استعارة باتفاق، وهذا كقولك رأيت قمرا نوره على الناس، وشمسا ضياؤه على الخلق، وثانيها تشبيه بلا خلاف، وهو ما ظهرت فيه أداة التشبيه كقولك زيد مثل البحر، ومثل الأسد، وثالثها وقع فيه خلاف، هل يعد من الاستعارة أو يكون معدودا من التشبيه، وهو ما كان مضمر الأداة، وهذا كقولك زيد أسد، وعمرو بحر، وغير ذلك وسيأتى لهذا مزيد تقرير فى التفرقة بين الاستعارة والتشبيه. فهذا ما أردنا ذكره فى ماهية الاستعارة ومفهومها.

<<  <  ج: ص:  >  >>