للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فاسد لأمرين، أما أولا فلأن أكثر كلام الناس خال عن التعقيد فى الشعر والخطب، والرسائل، فيلزم كونها معجزة، وأما ثانيا فلأنه لو كان الأمر كما زعموه لم يفترق الحال بين قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)

[الشورى: ٣٢- ٣٤] وبين قول من قال: وأعظم العلامات الباهرة جرى السفن على الماء، فإما أن يريد هبوب الريح فتجرى بها، أو يريد سكون الريح فتركد على ظهره، أو يريد إهلاكها بالإغراق بالماء، لأن ما هذا حاله من المعارضة سالم عن التعقيد، فكان يلزم أن يكون هذا الكلام معارضا للآية، لاشتراكها فى الخفة والبراءة عن الثقل والتعقيد، ومن وجه ثالث وهو أنه كان يلزم أن لا يقع تفاوت بين قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ

[البقرة: ١٧٩] وبين قول العرب «القتل أنفى للقتل» لاشتراكهما جميعا فى السلامة عن الثقل وهذا فاسد.

[المذهب السادس قول من زعم أن الوجه فى الإعجاز إنما هو اشتماله على الحقائق وتضمنه للأسرار والدقائق التى لا تزال غضة طرية على وجه الدهر، وما تنال لها غاية، ولا يوقف لها على نهاية، بخلاف غيره من الكلام، فإن ما هذا حاله غير حاصل فيه،]

فلهذا كان وجه إعجازه، وهذا فاسد أيضا لأمرين، أما أولا فلأن الأصل فى وجه الإعجاز أن يكون القرآن متميزا به لا يشاركه فيه غيره، وما ذكرتموه من هذه الخصلة فإنها مشتركة، وبيانه هو أنا نرى بعض من صنف كتابا فى العلوم الإسلامية واعتنى فى قبصه واختصاره، فإن من بعده لا يزال يجتبى منه الفوائد فى كل وقت ويستنبطها من ألفاظه وصرائحه كما نرى ذلك فى الكتب الأصولية والكتب الدينية والفقهية، وسائر علوم الإسلام، وإذا كان الأمر كما قلناه وجب الحكم بإعجازها وهم لا يقولون به، وأما ثانيا فلأن قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ

[البقرة: ١٦٣] وقوله تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ

[محمد: ١٩] وقوله تعالى:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)

[الإخلاص: ١] صريحة فى إثبات الوحدانية لله تعالى بظاهرها وصريحها، وما عدا ذلك من المعانى لا يخلو حاله، إما أن يستقل العقل بدركه أولا يستقل بدركه، فإن استقل بدركه فقد أحاط به كغيره من سائر الكلام، فلا تفرقة بينه وبين غيره، وإن كان لا يستقل العقل بدركه، فذلك هو الأمور الغيبية، وهى باطلة بما أسلفناه على

<<  <  ج: ص:  >  >>