واعترف بكون الاستعارة مجازا، وهما سيان فى أن كل واحد منهما دال على معنى يخالف ما دل عليه بأصل وضعه.
[دقيقة]
اعلم أن التفرقة بين الكناية والاستعارة ظاهرة، وذلك أنك إذا قلت جاءنى الأسد، ورأيت أسدا فهذا وما شاكله تجوّز بالاستعارة فأنت إذا أطلقته فالمراد به حقيقته وهو السبع فلا تحتاج فيه إلى قرينة، وإذ أردت به الشجاع فأنت تحتاج فيه إلى قرينة، فهما بالحقيقة وضعان، أحدهما مجاز، والآخر حقيقة، فمتى أفاد الحقيقة فإنه لا يفيد المجاز، ومتى أفاد المجاز فإنه لا يفيد الحقيقة، بخلاف الكناية، فإنها إذا أطلقت فالمعنيان أعنى الحقيقة والمجاز مفهومان معا عند إطلاقها، ومثالها قولنا: فلان كثير رماد القدر، فإنك قد استعملت هذه الألفاظ فى معانيها الأصلية، وغرضك فى إفادة كونه كثير رماد القدر إفادة معنى آخر يلزمه، وهو الكرم، وهكذا فى قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
[النساء: ٤٣] فإنك قد أفدت به موضوعه اللغوى بالأصالة، لكنه قصد به معنى آخر وهو الجماع، فهما مفهومان عند الإطلاق لكن أحدهما حقيقة والآخر مجاز كما قررنا، فقد وضح الفرق بينهما بما أشرنا إليه، نعم هذا هو الذى غر ابن الخطيب حتى أبطل كون الكناية مجازا، فإنه لما كان معناها اللغوى مفهوما عند استعمال كونها مجازا فى غيره، أبطل مجازها، وظن أن كون معناها اللغوى مفهوما عند استعمالها فى مجازها يزيل كونها مستعملة فى المجاز، وليس الأمر كما زعمه، بل هما مفهومان معا. فأما ابن الأثير، فهو وإن قال إن الكناية من باب الاستعارة، لكنه أحسن حالا من ابن الخطيب، فإنه بقوله هذا لم يخرجها عن حد المجاز وحكمه، لأن الاستعارة من باب المجاز، فكما أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له، فهكذا حال الكناية، فإنها لا تكون إلا حيث يكون ذكر المكنى عنه مطويا فيه، فإذن حاصل الكلام فى الكناية، أن يتجاذبها أصلان، ثم ذانك الأصلان يستحيل فيهما أن يكونا حقيقتين، لأن ذلك هو اللفظ المشترك، وباطل أن يكونا مجازين، لأن المجاز فرع على الحقيقة كما مر بيانه، وإذا كان فرعا على حقيقة نقل عنها، فإنها لا تنزل إلا على تلك الصورة المنقولة بعينها من غير زيادة، فكما أن المجاز نفسه لا يكون له حقيقتان، فهكذا حال المجازين لا يصدران عن حقيقة واحدة، فإذا بطل هذان القسمان لم