بأعجاز النساء، وإنما قصد بذلك المبالغة فى أن هذا المعنى قد صار ثابتا للنساء بحيث لا يتمارى فيه أحد، فلا جرم كان أصلا فى التقرير، وغيره فرعا له، وقد تابعه البحترى على هذا فى قوله:
فى طلعة البدر شىء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تثنيها
فالعادة جارية على جهة الاطراد فى تشبيه الوجوه الحسنة بالبدور، فعكس البحترى هذه القضية، وشبه البدر بها، مبالغة فى الأمر، وتعظيما لشأنها، ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن المعتز فى قصيدته المشهورة التى مطلعها: سقى الجزيرة ذات الظل والشجر، فقال منها:
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة إذ قصت من الظفر
فالجارى فى الاطراد، هو تشبيه القلامة من الظفر بالهلال فى نحولها، وتقوسها، واعوجاجها، فعكس ابن المعتز ذلك، وشبه الهلال بالقلامة، مبالغة ودخولا وإغراقا من جهته فى التشبيه كما هو دأبة وهجّيراه، وعادته المألوفة فى الخمريات وغيرها، فحاصل الأمر فيما ذكرناه من تشبيه العكس أن جريه إنما يكون فيما قد ألف وعرف حاله، فلهذا لم يلتبس حاله، فأما ما لا يعرف حاله ولا يؤلف فلا يجرى فيه، فإن جرى فعلى القلة والندور، ويكون من التشبيه المهجور الذى قد بعد عن البلاغة، ونأى بعض النأى عن استعمال الفصحاء.
[التقسيم الرابع باعتبار أداته]
إلى ما تكون أداة التشبيه ظاهرة، وهى الكاف وكأن، وإلى ما تكون مضمرة فيه، وكل واحد منهما معدود من التشبيه، فهذان ضربان نذكر ما يتوجه فى كل ضرب منهما.
[الضرب الأول ما تكون الأداة فيه مضمرة]
اعلم أنا قد أسلفنا فيما مر أن كل ما كان من التشبيه مضمر الأداة، فهل يعد من الاستعارة، أو يكون معدودا من أنواع التشبيه، وذكرنا خلاف علماء البيان فيه، وحققنا أن المختار فيه أن كل ما كان تقدير التشبيه يخرجه عن حد البلاغة وجب عده من باب الاستعارة، وكل ما كان تقدير التشبيه لا يخرجه عن حد البلاغة فهو من التشبيه، فلا وجه