بقواصم مكره، ثم قال فى أثناء هذه الخطبة أولئك الذين رحلوا فأقمتم، وأفلوا فنجمتم، فما هذا حاله ترصيع بالمعنى الذى ذكرته من غير مخالفة، ومن ذلك ما حكى عن ابن الأثير فى كلام له قال فيه: والحسن ما وشته فطرة التصوير، لا ما حسّنته فكرة التزوير، ومن كلامه قوله من قوّم أود أولاده، ضرّم كمد حسّاده، وفى كلام ابن الأثير ههنا نظر، لأن الأولاد ليس مماثلا للحساد، ومن ذلك ما قاله بعض العرب: من أطاع غضبه، أضاع أدبه ومن المنظوم ما قاله بعض الشعراء «١» :
فمكارم أوليتها متبرعا ... وجرائم، ألغيتها متورّعا
فقوله مكارم، بإزاء جرائم، وأوليتها فى مقابل ألغيتها، ومتبرعا فى مقابلة متورعا، فما هذا حاله لا يقع فيه نزاع بين أهل البلاغة فى كونه معدودا من باب الترصيع، لاجتماع الفقرتين فى الوزن والقافية.
الوجه الثانى ويقال له [الناقص] ،
وهو أن يختلف الوزن وتستوى الأعجاز، ومثاله قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)
[الانفطار: ١٣- ١٤] فاختلاف الوزنين فى الأبرار، والفجار، لا يخرجه عن كونه ترصيعا، وهكذا ما حكى عن ابن نباتة من قوله: وموفّق عبيده لمغانم ذكره، ومحقّق مواعيده بلوازم شكره، وقوله: أيها الناس أسيموا القلوب فى رياض الحكم، وأديموا النحيب على البياض اللّمم، وأطيلوا الاعتبار بانتقاص النعم، وأجيلوا الأفكار فى انقراض الأمم، فما هذا حاله لم تتفق فيه الأوزان ولكن استوت فيه الأعجاز، وكقول الخنساء فى أخيها صخر «٢» :
حامى الحقيقة محمود الطريقة ... مهدىّ الخليقة نفّاع، وضرّار