لقدرهم، لعدم علمهم بقدره وجهلهم بحاله وأمره، فرمز بهذه المقالة إلى ذلك، ومن لحظ كلامه بعين الإنصاف، وأصغى سمعه لقبول الحق ودان بالاعتراف، عرف أن كلامه فى البلاغة شمس لا يشاركه غيره فى الشعاع وأنه فى الفصاحة فلك لا يدانيه غيره فى الارتفاع.
[الضرب الرابع ما ورد فى كلام البلغاء من التعريض]
، حكى ابن الأثير فى كتابه أن مروان بن الحكم كان واليا على المدينة من قبل معاوية، فعزله، فلما قدم عليه قال: عزلتك لثلاث، لو لم تكن إلا واحدة لأوجبت عزلك، إحداهن أنى أمرتك على عبد الله بن عامر، وبينكما ما بينكما، فلم تستطع أن تشتفى منه، والثانية منهن كراهتك أمر زياد، والثالثة أن ابنتى «رملة» استعدتك على زوجها عمرو بن عثمان، فلم تعدها، فقال له مروان: أما عبد الله ابن عامر، فإنى لا أنتصر عليه فى سلطانى، ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موضعه، وأما كراهتى أمر زياد، فإن سائر بنى أمية كرهوه، وأما استعداء «رملة» على عمرو بن عثمان، فو الله إنه ليأتى على سنة وعندى بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا، يريد أن «رملة» بنت معاوية، إنما استعدت لطلب الجماع، فقال معاوية: يابن الوزغ، لست هناك، فقال له مروان هو ذاك. وهذا من التعريضات اللطيفة الآخذه من حسن الملاطفة بحظ وافر، وألطف منها وأدخل فى الرشاقة ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وذلك أنه كان يوم الجمعة، فدخل عثمان بن عفان، فقال له عمر: أى ساعة هذه فقال له عثمان:
يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت، فقال عمر:
والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بالغسل. فقوله أى ساعة هذه، تعريض بالإنكار عليه، لتأخره عن الحضور للصلاة، وترك السبق إليها، وإنها من حسن الأدب والإنصاف لفى أحسن موقع. ومن التعريض اللطيف ما روى عن امرأة أنها وقفت على قيس بن سعد، فقالت: أشكو إليك قلة الفأر فى بيتى، فقال: ما أحسن ما وردت عن حاجتها، املأوا لها بيتها خبزا وسمنا ولحما. ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك بن مروان، فقالت له: يا أمير المؤمنين مشت جرذان بيتى على العصى. فقال لها ألطفت فى السؤال، لا جرم لأردنها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حبا وأنا شديد العجب