حقيقتها، هذا ما قاله ابن الأثير، وهو جيد لا غبار عليه، لكنه يمكن دخول المجاز فيها من وجه آخر، وهو أن الله تعالى أخبر عما كانوا عليه من الإغراق فى الرد والتكذيب والمبالغة فى الإنكار لما جاء به الرسول بأن الجبال الرواسى تزول من شنع هذه المقالة وتفاحش هذه الجهالة كما قال تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١)
[الشعراء: ٢٢٤، ٢٢٥] فاستعار الأودية للمغازى والمقاصد الشعرية التى يلخصونها بأفئدتهم ويصوغونها بأفكارهم، وخص الاستعارة بالأودية دون الطرق والمسالك، لأن المعانى الشعرية تستخرج بالفكرة والروية، وفيهما خفاء وغموض، فلهذا كانت الأودية أليق بالاستعارة، وفى القرآن استعارات كثيرة.
[النوع الثانى الاستعارة فى الأخبار النبوية]
فمن ذلك قوله صلّى الله عليه وآله:«أكثروا من ذكر هاذم اللذات فإنكم إن ذكرتموه فى ضيق وسعة عليكم»«١» فاستعار هاذم اللذات للموت، وهو مطوى الذكر، ولو ظهر لم يكن هناك استعارة، وفى هذه الاستعارة من الرقة واللطافة ما لا يخفى حاله على من ضرب فى هذه الصناعة بحظ وافر وكان له فيها القدح القامر.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:«لا تستضيئوا بنار المشركين» فاستعار ذكر النار للرأى والمشورة، والمعنى لا تهتدوا بآراء المشركين، ولا تتكلوا على أقوالهم، لما فيها من الخديعة والمكر والغرر، ومن ذلك قوله عليه السلام، «إن الغضب ليوقد فى فؤاد ابن آدم النار ألا تراه إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه» فاستعار الوقيد لاشتداد الغضب وتراكمه، ومنه قوله عليه السلام:«ما ذئبان ضاريان فى زريبة أحدكم بأسرع من الحسد فى حسنات المؤمن» فاستعار الذئبين فى إفساد الغنم بضراوتهما لما يحصل من عقوبة الحسد فى إحباط الحسنات المستحقة على الأعمال الصالحة، يريد أن إسراعه فى الإحباط بمنزلة إسراع هذين الذئبين فى إهلاك الغنم وقتلها. ومن بديع الاستعارة وغريبها قوله صلّى الله عليه وآله «ما جرع عبد قط جرعتين أعظم عند الله من جرعة غيظ يلقاها بحلم أو جرعة