ومن جملة ما يعرض لألفاظ الاستغراق، فإنه من الأمور المهمة لتعلقه بالمسائل الدينية الوعيدية، وفيه مضطرب النظار من الأصوليين فى المباحث الفقهية، ويشم رائحة من علوم المعانى، فلا ينبغى إغفاله وهى ألفاظ العموم، ثم معناها ما دل على معنيين فصاعدا من غير حصر، فقولنا «ما دل على معنيين» ، عام فى الاستغراق والاشتراك، وقولنا «من غير حصر» ، تخرج عنه الأسماء المشتركة، فإن ما تدل عليه منحصر، وهى منقسمة إلى ما يكون مستعملا فى حق العقلاء كمن، والذين، والمسلمين، والرجال، وفى غير العقلاء كما، والأفراس، وإلى ما يكون للعقلاء وغير العقلاء كأى، وكل. فهذه الألفاظ كلها مستغرقة لما تصلح له ويندرج تحتها، وإنما ذكرناها لما ذكرنا منازل الألفاظ ودرجها، وإلا فموضعها اللائق بها أصول الفقه، ونذكر على أثرها ما يكون لائقا بها من ذكر الفروق بينها وذكر ما هو مندرج تحتها ونردفه بالمراتب.
[المرتبة السادسة فى إيراد الفروق بين هذه الألفاظ]
اعلم أن كل من أحاط علما بما ذكرناه من ماهيتها، فإنه لا يقع عليه لبس فى كل واحد منها بغيرها، وإنما نورد التفرقة على جهة الإيضاح والبيان، وجملة ما نورده من ذلك فروق خمسة:
[«الفرق الأول» بين المشتركة والمتشابهة]
اعلم أن الشيخ أبا حامد الغزالى قدّر أمر التفرقة بينهما بما حكيناه من قبل، وهو أن المشتبهة متفقة فى أمر يجمعها كما قلناه فى لفظة النور، بخلاف اللفظة المشتركة، فإنه لا اشتراك بينها فى أمر معنوى بحال، فإن صح ما قاله الغزالى فى اشتراكها فى أمر معنوى وإن خفى ودق فهما مفترقان. ويمكن أن يقال إن الأمر الذى قاله ليس أمرا حقيقيا، وإنما هو خيال، فيجب اندراجها تحت المشتركة، وينزّل الخلاف فى لفظة النور على ما ذكرناه من تلك الأنوار منزلة إطلاق لفظة اللون على جميع أنواع اللون، فإن حصلت تفرقة بينها وبين