بينهما، أن اللفظ إن قصد به الحقيقة من حيث هى هى، فهو معرفة، كأسامة، فإنه موضوع على الحيوان المفترس من حيث هو هو، وإن قصد باللفظ واحد من تلك الحقيقة، فهو نكرة كأسد، هذا محصول كلامهما فى حد المطلق؛ والمختار ما عول عليه ابن الخطيب فى حد المطلق، لأن الحد الثانى فيه التقيد بالوحدة، والتعيين، وهما منافيان للإطلاق؛ لأن الشىء لا يكون مطلقا مقيدا، فأما ما قاله الشيخ عبد الكريم من أنه لو صح تحديده بما ذكره لم يتجه فرق بين قولنا: أسد، وأسامة، فلعله لا يجعلهما من باب المطلق؛ لأن أحدهما دال على التعيين، وهو قولنا: أسامة؛ لأنه موضوع على الحقيقة الذهنية من حيث هى هى، وأحدهما دال على الوحدة وهو قولنا: أسد، وإذا لم يكونا مطلقين لم يردا اعتراضا على ما ذكره من الحد، وكانت التفرقة بينهما حاصلة من الوجه الذى ذكره، ولو قيل فى حد المطلق: هو اللفظ الدال على حقيقة من غير قيد، لكان جيدا.
[خيال وتنبيه]
فإن قال قائل: قد ذكرتم الوجه فى تنكير الحياة فى قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
[البقرة: ١٧٩] فما وجه تنكير السلام فى قصة «يحيى» فى قوله تعالى: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ
[مريم: ١٥] وتعريف السلام فى قصة «عيسى» فى قوله تعالى: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ
[مريم: ٣٣] ثم إذا كان التنكير فى السلام هو المطرد كقوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ
[الصافات: ٧٦] سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ
[الصافات: ١٣٠] وغير ذلك، فما وجه نصبه فى سلام الملائكة فى قوله تعالى: قالُوا سَلاماً
[هود: ٦٩] ورفعه فى سلام إبراهيم فى قوله تعالى: قالَ سَلامٌ
[هود: ٦٩] فمن حقكم إيراد التفرقة فى هذه الأمور ليكمل الغرض فى تقرير قاعدة التنكير، والجواب: أما ما ذكره أولا من تقرير فائدة التنكير فى قوله تعالى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
[البقرة: ١٧٩] فقد أوردنا ما قاله علماء البيان فى ذلك، فأغنى عن إعادته، والمعتمد عندنا أن العلة فى إيثار التنكير على التعريف، هو أن الغرض إخراجها مخرج الإطلاق عن كل قيد من القيود اللازمة لها، من تعريف أو تخصيص؛ لأن التقدير: إن لكم فى القصاص حياة بالغة فى اللطف مبلغا عظيما، وجامعة لجميع مصالح