[القصص: ٧٣] إلى غير ذلك من أنواع البديع وضروبه، وقد أتينا على جميع أنواعه كلها، وأوردنا لها شواهد وأمثلة. فأغنى عن التكرير والإعادة فى ذلك.
[دقيقة]
اعلم أن هذه الأنواع الثلاثة أعنى علم المعانى والبيان وعلم البديع، مآخذها مختلفة، وكل واحد منها على حظ من علم البلاغة والفصاحة، ولنضرب لها مثالا ليكون دالا عليها ومبينا لموقع كل واحد منها، وهو أن تكون حبات من ذهب ودرر ولآلىء ويواقيت، وغير ذلك من أنواع الأحجار النفيسة، ثم إنها ألفت تأليفا بديعا بأن خلط بعضها ببعض وركبت تركيبا أنيقا، ثم بعد ذلك التأليف، تارة تجعل تاجا على الرأس، ومرة طوقا فى العنق، ومرة بمنزلة القرط فى الأذن، فالألفاظ الرائقة بمنزلة الدرر واللآلى، وهو علم المعانى، وتأليفها وضم بعضها إلى بعض، هو علم البيان، ثم وضعها فى المواضع اللائقة بها عند تأليفها وتركيبها، هو علم البديع، فوضع التاج على الرأس بعد إحكام تأليفه هو وضع له فى موضعه، ولو وضع فى اليد أو الرجل، لم يكن موضعا له، وهكذا الكلام بعد إحكام تأليفه يقصد به مواضعه اللائقة به، وما ذكرناه من المثال هو أقرب ما يكون فى هذه العلوم الثلاثة وتمييز مواقعها، فإذا عرفت هذا فاعلم أن الآية قد اشتملت من علم البديع على أجناس ثلاثة:
الجنس الأول منها، الجناس اللاحق، وهو أن تتفق الكلمتان فى جميع حروفهما إلا فى حرفين لا تقرب بينهما، وهذا هو قوله تعالى: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي
[هود:
٤٤] ، فقوله ابلعى وأقلعى، جناس لاحق، لا يختلفان إلا فى القاف والباء، وهما غير متقاربين، كقولك سعيد، بعيد، وعابد، عاتب، فهذا كله يقال له جناس لاحق.
الجنس الثانى الطباق المعنوى وهو قوله:«أقلعى وابلعى» لأن المعنى فى بلع الأرض، إنما هو إدخاله فى جوفها، وإقلاع السماء، وهو إخراجه عنها، وهذا تطبيق من جهة المعنى، ومن جهة أن الإدخال والإخراج ضدان، وهذا كقوله تعالى أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ
[الفتح: ٢٩] لأن الرحمة هى لين القلوب وتعطفها، وهو ضد الشدة.
الجنس الثالث الاستطراد، وهو توسيط كلام أجنبى بين كلامين متماثلين، وهذا قوله