أخذه بعض الشعراء وزاد عليه فأجاد فيما قاله وأصاب فيه «أنت فى الجود أول وقضى الله أن لا يرى لك الدهر ثانى» .
فما ذكره من المعنى الجزل والمدح العالى ليس حاصلا فى بيت أبى الطيب، ولنقتصر على هذا القدر من السرقات الشعرية وبيان أمثلتها ففيه مقنع وكفاية فى التنبيه على ما وراءه من ذلك، فإنه باب واسع من الفنون الشعرية، وفيه أودية، وله شجون وفنون، وفيما أوردناه غنية، وبتمامه يتم الكلام على النمط الثانى من بيان أنواع الفصاحة المعنوية من أنواع البديع، وقد نجز الكلام على الباب الرابع الذى رسمناه فى علوم البديع وأصنافه، والله الموفق للصواب.
[ولنختم كلامنا فى الباب الرابع الذى رسمناه لبيان أصناف البديع ومعرفة أسراره بذكر تنبيهات ثلاثة]
هى لائقة ههنا حيث لم تذكر فى صدر الباب لبيان معنى البديع وتقرير أقسامه على جهة الإجمال وبيان مواقعه، فهذه تنبيهات لا غنى عن ذكرها لمن أراد الخوض فى علم البديع.
[التنبيه الأول فى بيان معناه]
واعلم أن لفظ البديع، فعيل بمعنى مفعول، كقولنا جريح وقتيل، أو فعيل بمعنى مفعل نحو حكيم بمعنى محكم وأنشد النحاة:
وقصيدة تأتى الملوك حكيمة ... قد قلتها ليقال من ذا قالها
وهو فى كلا وجهيه بمعنى مفعول، ولا يختلفان إلا فى أن أحدهما مأخوذ من الثلاثى المجرد فتقول بدع هذا يبدعه فهو بديع، أى مبدوع، والثانى مأخوذ من الثلاثى المزيد فتقول فيه أبدع هذا يبدعه فهو مبدع، والفاعل مبدع، قال الله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[البقرة: ١١٧] أى مبدعهما ومعنى البديع الموجد بالقدرة لا على جهة الاحتذاء، فالمبدىء والمبدع سيّان فى أن كل واحد منهما حاصل من غير مثال سابق ولا احتذاء متقدم، وأما فى مصطلح علماء البلاغة فهو عبارة عن الكلام المؤلف على جهة الإسناد المجازى من حيث الاستعارة، ولنفسر مقصودنا بهذه القيود بمعونة الله، فقولنا عبارة عن الكلام، إعلام بأن البديع إنما هو خاص بالكلام دون سائر الأفعال كلها، فإنه لا مدخل له فيها، فلا يقال فى رشاقة القدّ وحسن الدلّ، إنه من البديع، فهو إنما يكون من عوارض الكلام لا غير، وقولنا «المؤلف» يحترز به عن الكلم المفردة بالإضافة إلى كل واحدة من أعدادها،